ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية في اعقاب ظهور كل من البنيوية الاجتماعية علي أيدي كل من كلاودس ليفي ستراوس وكولدون ويزير وعندما نشر العالمان كتابي (ابنية القرابة) و(الطوطميه) على التوالي ، والوظيفية على ايدي كل من ماكس فيبر واميل دوركايم ووليم كراهام سمنر في مؤلفاتهم النشوره (الدين والاقتصاد )و(تقسيم العمل في المجتمع)و(طرق الشعوب)،علما بأن ظهورها كان كرد فعل للتراجع والضعف والاخفاق الذي منيت به كل من البنيوية و الوظيفية لكون كل منهما احادية الجانب. ذلك ان البنيوية تفسر المجتمع والظاهرة الاجتماعية وفقا للاجزاء والمكونات والعوامل المفردة التي يتكون منها البناء الاجتماعي بعيدا عن وظائف هذه الاجزاء والنتائج المتمخضة عن وجودها . في حين ان الوظيفه تفسر الظاهره الاجتماعية تفسيرا يأخذ بعين الاعتبار نتائج وجودها وفعاليتها بعيدا عن بنائها والاجزاء التي تتكون منها
لهذا ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية لتنظر الى الظاهرة او الحادثة الاجتماعية على انها وليدة الاجزاء او الكيانات البنيويه التي تظهر في وسطها وان لظهورها وظيفة اجتماعية لها صلة مباشرة او غير مباشرة بوظائف الظواهر الاخرى المشتقه من الاجزاء الأخرى للبناء الاجتماعي، علما بأن النظرية البنيوية الوظيفية قد ظهرت في القرن التاسع عشر على يد العالم الاجتماعي البريطاني هربرن سبنسر ثم ذهبت الى امريكا فطورها هناك كل من تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون وهانز كيرث وسي ورايت ملز
يرتبط نشوء النظرية البنيوية الوظيفية بالفكر الوضعي اذ كانت النزعة الوضعية منذ بداية القرن التاسع عشر مؤيدة للعلم ومعارضة للميتفيزيقيا التقليدية, اذ ان تأييدها للعلم والمنطق التجريبي كان يستند على فكره الوصول الى القوانين التي تخضع لها الوقائع والظواهر الاجتماعية. لذا اكدوا على فكرة العلم الطبيعي خاصة علم الاحياء وأهميته في دراسة المجتمع، فعلم الاحياء يدرس تراكيب ووظائف الكائن الحيواني او النباتي الحي. ومثل هذه الدراسة يمكن الاستفادة منها في تحليل المجتمع البشري الذي هو الاخر الذي يتكون من اجزاء تسمى بالانظمة التي لها وظائف يكمل بعضها البعض الآخر.
إن البنيويين الوظيفيين يعتقدون بأن بناء أي كائن عضوي عبارة عن ترتيب او تنظيم ثابت نسبيا من العلاقات القائمة بين الخلايا المختلفة للكائن
أما عن ماهية الدعاوى الاساسية لظهور الاتجاه البنيوي الوظيفي فهي مختلفة بين دعاوي علمية ودعاوي اديولوجية وسياسية .
لقد ظهر الاتجاه البنيوي الوظيفي استجابة لحاجة عدد من الباحثين في علمي الاجتماع والانثروبولوجيا نحو تطوير ادوات واساليب نظرية ومنهجية تتوائم ودراسة الصور المختلفة للترابطات الاجتماعية والتفاعل بين السمات والجماعات والنظم داخل النسق الاجتماعي الكبير الذي يكتنف الانساق الفرعية .اما المنحى الاخر للفكر البنيوي الوظيفي فقد كان استجابة لدعاوي ايدلوجية وسياسية اذ ارادت ان تناهض علم الاجتماع الماركسي وتضرب الطوق والعزلة الفكرية والسياسية على السياق التاريخي المادي الذي تشأ وترعرع فية
لقد ظهرت النظرية البنيوية الوظيفية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وكانت بمثابة رد فعل للمعوقات والانتقادات والمشكلات التي وجهت لكل من النظرية البنيوية والنظرية الوظيفية ،إن النظرية البنيوية الوظيفية جاءت لتكمل الاعمال التي بدأت بها كل من البنيوية والوظيفية .ذلك ان النظرية البنيوية الوظيفية تعترف بأن لكل مجتمع أو مؤسسه أو منظمة بناء والبناء يتحلل إلى أجزاء وعناصر تكوينية، ولكل جزء أو عنصر وظيفة تساعد على ديمومة المجتمع أو المؤسسة أو المنظمة .
لذا فالفكر البنيوي الوظيفي يعترف ببناء الكيانات أو الوحدات الاجتماعية ويعترف في الوقت ذاتة بالوظائف التي تؤديها الاجزاء والعناصر الاولية للبناء او المؤسسة ووظائف المؤسسة الواحدة لبقية المؤسسات الاخرى التي يتكون منها المجتمع . علما بأن النظرية البنيوية الوظيفية تعتمد على النظرية البايولوجية التي جاء بها جارلس دارون في كتابة (أصل الأنواع) إذ أن "جارلس دارون" تناول دراسة الأجزاء التي يتكون منها الكائن العضوي والترابط بينها ودرس وظائفها للكائن العضوي ككل.
وقد استفاد علماء الاجتماع البنيويون الوظيفيون من الافكار البايولوجية والعضوية التي جاء بها دارون عند دراستة للكائن الحيواني من حيث البناء والوظيفة والتطور,ذالك ان للمجتمع بناء ووظيفة وان هناك تكاملا بين الجانب البنيوي للمجتمع والجانب الوظيفي إذ أن البناء يكمل الوظيفة والوظيفة تكمل البناء، فكيف يمكن التحدث عن البناء دون ذكر وظائفه ، وكيف يمكن التحدث عن وظائف الجماعات والكيانات دون تناول بنائها ،وهنا يقول تالكوت بارسونز في كتابة (النسق الاجتماعي) لا بناء بدون وظائف اجتماعية ولا وظائف بدون بنائ اجتماعي .وهذا يدل على وجود علاقة متفاعلة بين البناء والوظيفة ، وان هناك درجة عالية من التكامل بينهما ، اذ لانستطيع الفصل مطلقا بين البناء والوظيفة. وبناء على هذه المسلمة نستطيع توجيه الانتقاد المر الى النظرية البنيوية والى النظرية الوظيفية . فالبنيوية ترى بأن ماهو موجود هو البناء و الأجزاء التركيبية للبناء ، بينما ترى الوظيفية بأن ماهو موجود هو الوظائف التي تفيد المجتمع وليس البناء .
إن كلاما أحاديا كهذا دفع بالبنيويين الوظيفيين إلى الربط العلمي الغائي بين الوظيفة والبناء اذ لابناء بدون وظيفة ولا وظيفة بدون بناء. أما علماء الاجتماع الذين درسوا البناء والوظيفة جنبا الى جنب دون التحيز الى ركن دون الركن الاخر فهم العلامة ابن خلدون وهربرت سبنسر وتالكوت بارسونز وروبرت ميرتون وهانز كيرث وسي ,رايت ملز وجون ريكس وكينكزلي ديفيز وغيرهم.من المؤكد ان الاتجاه البنيوي الوظيفي قد ظهر في علم البايولوجي وفي علم النفس وفي علم الانثروبولوجي الثقافي قبل ان يظهر في علم الاجتماع. فعلم البايولوجي يعتقد بأن الكائن العضوي الحي يتكون من اجزاء او تراكيب بنيوية، ولهذه الاجزاء او التراكيب وظائفها، والوظائف هذه تساعد على بقاء وديمومة الكائن العضوي الحي ، واستعمال الاتجاه البنيوي الوظيفي في علم النفس في بداية القرن العشرين عندما ظهرت ادوات تحليلية مختلفة تحاول ان تصف بدقة الاجزاء او العناصر التي تتكون منها العمليات العقلية كالارادة والانفعال والدافع والاحساس والادراك……الخ ،غير ان الاتجاه البنيوي الوظيفي لم يعين الوحدة الاساسية التي تربط العناصر الفرعية بيد انه في العشرينات والثلاثينات ظهرت نظرية الجشطالت التي تعتقد بأن أي عنصر من عناصر العملية العقلية يجب ان يدرس في ضوء الكل الذ تتكون منه الاجزاء او العناصر على الرغم من وجود الاختلافات بين الكل والاجزاء.
واستثمر علم الاجتماع فكرة البناء والوظيفة في دراستة للمجتمعات والجماعات والمؤسسات والمنظمات.
فالمؤسسة أو النسق الفرعي له بناء يتحلل إلى عناصر بنيوية يطلق عليها الأدوار ، ولكل دور وظيفة ، وهذه الوظائف مكملة بعضها لبعض ، ذلك أن التكامل يكون بين البنى وبين الوظائف كما تعتقد النظرية البنيوية الوظيفية .
تعتقد النظرية البنيوية الوظيفية التي كان روادها كل من هربرت سبنسر وتالكوت بارسونز وروبرت ميرتون و هانز كيرث وسي رايت ملز بعشره مبادئ اساسية متكاملة ،كل مبدأ يكمل المبدأ الاخر . وهذه المباديء هي على النحو الاتي:
الانتقادات التي وجهت للاتجاه البنائي الوظيفي
يمكن تحديد هذه الاضافات بخمس نقاط اساسية مأخوذه من كتابة(الفلسفة الوضعية)وهي:
في هذا المبحث نود التطرق الى الاضافات العلمية التي وهبها ابرز البنيويون الوظيفيون لنمو وتطور النظرية البنيوية الوظيفية , ومن هؤلاء هربرت سبنسر وتالكوت بارسونز وهانز كيرث وسي .رايت ملز
النظرية العضوية التي جاء بها هربرت سبنسر في كتابه مبادىء علم الاجتماع هي التي تفسر افكاره حول البنيوية الوظيفية .
فالنظرية البايو اجتماعية التي ابتدعها هربرت سبنسر (1820-1903) تقارن الكائن الحيواني الحي بالمجتمع من حيث الاجزاء والوظائف والتكامل بين الاجزاء والوظائف للكائنين الحيواني والاجتماعي . لقد اجرى سبنسر مماثلة بين الكائن الحيواني والمجتمع فالكائن الحيواني كجسم الانسان مثلا يتكون من اجهزة واعضاء كالجهاز العصبي والجهاز الهضمي والجهاز الدموي والجهاز العضلي والجهاز العظمي والجهاز التنفسي …….الخ. وبجانب الاجهزة العضوية للكائن الحيواني الحي هناك الاعضاء كالقلب والرئتين والمعدة واليد والرجل والعين واللسان والاذن……..الخ. علما بأن سبنسر قد حلل او شرح الجهاز العظمي الى مجموعة خلايا عضوية, ولكل خلية واجباتها وحقوقها.
اما الكائن الاجتماعي الذي شبهه هربرت سبنسر بالكائن العضوي فيتكون من مجموعة مؤسسات او نظم اجتماعية فرعية كالنظام الاقتصادي والنظام السياسي والنظام الديني والنظام التربوي والنظام الاسري والقرابي ونظام العسكري . والنظام الواحد يتحلل الى ادوار كتحليل النظام الاقتصادي الى ادوار قيادية ووسطية وقاعدية وان لكل دور واجبات وحقوق اجتماعية.
ولم يكتف سبنسر بدراسة اجزاء الكائن الحيواني ومقارنتها بأجزاء المجتمع بل ذهب الى ابعد من ذالك اذ اشار ان لكل جزء من اجزاء المجتمع وظائفة التي تساعد عل ديمومة وبقاء الكائن الاجتماعي مثله في ذلك الوظائف التي يقدمها الجهاز العضوي لديمومه وبقاء الكائن الحيواني , ذلك ان للجهاز العظمي وظائفه البايولوجية وللجهاز العضلي وظائفه البايولوجية وهكذا.
وتناول سبنسر ايضا في دراسته البايواجتماعية التكامل بين اجزاء المجتمع والتكامل بين وظائفها اذ اشار بأن المؤسسة الاقتصادية تكمل المؤسسة الدينية وان المؤسسة الاخيرة تكمل المؤسسة الاسرية والقرابية وهكذا .كما اضاف بأن وظائف الكائن الاجتماعي مكملة بعضها لبعض اذ ان الوظائف الاقتصادية للمجتمع تكمل الوظائف العسكرية, والوظائف الاخيرة تكمل الوظائف التربوية. وهنا اكد سبنسر على موضوع التفاضل والتكامل لأجزاء المجتمع او اجزاء الكائن الحيواني الحي.فبالرغم من تفاضل اجزاء المجتمع فانها تكون متكاملة أي ان كل جزء يكمل الجزء الاخر
ظهرت الاضافات التي قدمها تالكوت بارسونز (1902-1979) لنمو وتطور النظرية البنيوية الوظيفية في مؤلفيه (النسق الاجتماعي) و(نحو نظرية عامة للحدث) .ذالك ان بارسونز يعد من قادة النظرية البنيوية الوظيفية في القرن العشرين . ان نظرية الحدث التي بلور معالمها بارسونز تدرس الانساق الثلاثة وهي الثقافة والشخصية والنظام الاجتماعي .علما بأن التكامل الموضوعي بين الانساق الثلاثة يعني بأن الثقافة لايمكن فهمها الا عن طريق الشخصية والنظام الاجتماعي , وان النظام الاجتماعي لايمكن فهمه بدون فهم ودراسة واستيعاب الثقافة والشخصية.
بيد ان البنيوية الوظيفية البارسونية تكمن في النسق او النظام الاجتماعي الذي درسه بارسونز دراسة بنيوية زظيفية اذ اكد ذلك عن طريق الخطاب الذي القاه امام الجمعية الامريكية للاجتماعيين عام 1947 عندما كان رئيسها اذ اشار الى ضروره ايجاد نظرية بنيوية وظيفية تخدم ثلاثة اغراض رئيسية هي:
الثلاثة
إن لكافة النظم الاجتماعية كالدولة والأسرة والجامع والكنيسة والاحزاب السياسية والسلطات والجماعات الضاغطة …الخ ، وظائف اجتماعية مهمة تساعد النظام على تحقيق أهدافه وطموحاته وتنتج في توازن وتكامل أجزائه البنيوية ،علما بأن النظرية البنيوية الوظيفية التي درسها بارسونز وطورها انما هي منهج لتفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية من خلال الكشف عن طبيعة وظائفها وقدرتها على تحقيق الاهداف والطموحات.
مفهوم الوظيفة لدى دوركايم :
يميل دوركايم إلى جعل مفهوم الوظيفة مفهوما نسبيا خاليا من الحتمية . فاذا لم يكن من الضروري اعتبار كل وظيفة تعبير عن حاجة الجسم فليس من الضروري ايضا أن تكون لكل حاجة وظيفة في الجسم . فما هي أسباب هذه النسبية الوظيفية لدى دوركايم ؟
ثمة ثلاثة اسباب تفسر النسبي عند دوركايم :
فالمؤسسات مثلا تملك نفس الاهداف والوظائف التي تمثل اعضاء الانسان وهو ما يرفضه دوركايم كون سبنسر يختزل النشاط الانساني في الوظيفة التي تقوم بها كل ظاهرة اجتماعية والتي يتم ارجاعها إلى حاجيات الجسم الانساني .
أية استنتاجات ؟
إن الاستنتاجات الرئيسية التي يمكن الخروج بها :
الاعتبار الأول : هو صعوبة اعتماد التحليل الحتمي في علم الاجتماع . فالظاهرة الاجتماعية نسبية بحكم ظروف نسبية انتاجها وظروف التحكم فيها .
الاعتبار الثاني : هو ان الظواهر المعتلة والشاذة هي أيضا لها وظائف ولايمكن القول بأنها ظواهر غير طبيعية . وهذا يعني أن علم الاجتماع لا يبحث في علة الظواهر بقدر ما يبحث عن الوظيفة التي يمكن أن تؤديها ( في العلاقات والأدوار ) .
بعض اسهامات دوركايم في تأسيس البنيوية الوظيفية
إن اهتمام دوركايم بالوقائع الاجتماعية جعله يهتم ايضا بالاجزاء المكونه للنسق الاجتماعي من جهة وعلاقات الاجزاء ببعضها البعض ومن ثم تأثيرها على المجتمع . ففي حديثه عن الوقائع الاجتماعية وجد نفسه مضطرا لإعطاها اهمية كونها تندرج في اطار في بنى ومؤسسات سعى دوركايم إلى البحث عنها .
اعتنى دوركايم كثيرا بالبنى والوظائف وعلاقاتها بحاجيات المجتمع . وهذا يعني اهتمامه بالبنية والوظيفة كعنصرين هامين في التحليل السوسيولوجي .
من أهم الامور التي قام بها دوركايم تمييزه بين مفهومين هما ” السبب الاجتماعي ” و ” الوظيفة الاجتماعية “.
إذ أن دراسة ” السبب الاجتماعي ” سيعني الاهتمام بمبرارات وجود البنية . اما دراسة ” الوظيفة الاجتماعية ” فستعني الاهتمام بحاجيات المجتمع الكبيرة وكيفية تلبيتها من طرف بنية معينة .
إذا درسنا سبب ظهور الاسرة النووية فسنفكر ما إذا كان التصنيع وانتقال الناس من حال إلى حال هو السبب في ذلك ، كما سنتساءل عن وظيفة الاسرة النووية كبنية جديدة في المجتمع الصناعي .
رفض دوركايم رفضا قاطعا فكرة اسطورية الدين ، واكد في المقابل على انه ظاهرة عالمية وبالتالي لابد وان تكون له وظيفة في المجتمعات البشرية . فمن بين وظائف الدين عند دوركايم وابن خلدون العمل على توحيد الناس وخلق روح التضامن الاجتماعي بينهم عن طريق القيم الثقافية والاعتقادات الدينية التي يدعو اليها هذا الدين او ذاك .
يقدم دوركايم في كتابه ” الأشكال الأولية للحياة الدينية ” نموذجا للمعنى الاجتماعي للشعائر الدينية او الحفلات المراسمية . ففي نظره تحقق الشعلئر الدينية التماسك الاجتماعي من خلال أدائها لاربع وظائف :
عبر هذه الحالات الاربع فإن الشعائر الدينية تساهم بتلبية الحاجات الدينية للفرد ، ومن ثم يتضح من التفكير السوسيولوجي الدوركايمي ان كل وحدة اجتماعية في المجتمع لها علاقة بالمجتمع الكبير وفي كل الوحدات الموجودة فيه ويعتقد دوركايم ان الانسجام في المجتمع يصبح واقعا مجسما عندما تسود هذه الحالة الطبيعية . أي عند قيام هذه الوحدات الاربع بوظائفها في المجتمع ككل .
يعرّفها كما يلي :
” تتمثل وظيفة العناصر الاجتماعية في مساهمتها في الحفاظ على مجرى الحياة في المجتمع ” .
فالثقافة هي التي تمثل جانبا من العناصر الاجتماعية فتشمل اللغة ، العادات ، والتقاليد ، والعقائد الدينية ، القيم الثقافية ، وكل هذه العناصر تمثل مؤسسات اجتماعية لها وظيفتها ولايمكن الاستغناء عنها لاهميتها في مجرى الحياة الاجتماعية ولكونها تشكل العناصر البنيوية في المجتمع .
ومن ملامح الوظيفية النظرية انها تنظر إلى المجتمع كنسق اجتماعي أي وحدات اجتماعية مختلفة نسبيا تساهم في وظائف مختلفة لدفع المجتمع وتقدمه .
وحسب دوركايم فـ” ان الانسجام من ملامح الرؤية الوظيفية ” لا بل انها تنظر إلى المجتمع على اساس انه مستقر وليس هناك ما يعكر صفوه من صراعات ونزاعات بما ان اجزاءه تتكامل في القصد والهدف .
الوظيفية عند روبرت ميرتون [الوظيفية الامبريقية المتوسطة ] و الوظيفيون الجدد
يعد مقال نقد ميرتون اهم نقد للوظيفية في علم الاجتماع
نقد ميرتون :
ينتقد ميرتون ثلاث مسلمات يتصف بها التحليل الوظيفي :
ترى هذه المسلمة ان الاجزاء المكونة للمجتمع لا تقوم بوظائف ايجابية فحسب بل هي تمثل عناصر ضرورية لعمل المجتمع ككل . وهذا يعني ان البنى الاجتماعية والوظائف ضرورية بالنسبة لمسيرة المجتمع الطبيعية أي انه ليس هناك بنى ووظائف اخرى قادرة على القيام بمسيرة المجتمع كالوظائف القائمة الان . وحسب ميرتون المتأثر بأستاذه بارسونز لابد من الاعتراف بوجود عدة بنى ووظائف داخل نفس المجتمع
مشروعية النقد
يتلخص بطموح :[ نحو نظرية امبريقية متوسطة اكثر شمولية واقدر على تفسير الاحداث من الوظيفية التقليدية التي يعتبرها ميرتون جزئية وسطحية وغير قادرة على التفسير]
يرى ميرتون ان المسلمات الثلاثة السابقة لاتستند الى معطيات امبريقية بقدر ما هي مجرد افكار وانساق نظرية بحتة في حين ان واجب عالم الاجتماع فحص مدى مصداقية كل منها امبريقيا . لماذا ؟ لان الاختبار الامبريقي وليس المقالات النظرية هو الذي يمكن التحليل الوظيفي من التوصل الى ارساء منظور او باراديقم او شكل تحليل يكون بمثابة مرجع لتكامل النظرية مع البحث الامبريقي .
لذا يرى ميرتون ان التحليل الوظيفي ينبغي ان يدرس ظواهر محدودة مثل الادوار الاجتماعية ، الانماط المؤسسية ، العمليات الاجتماعية ،ا لانماط الثقافية ، البنية الاجتماعية وادوات الضبط الاجتماعي . ومن الواضح ان ميرتون أولى اهمية للدراسات الامبريقية في النظرية الوظيفية بدلا من التركيز على الدراسات الامبريقية لظواهر محدودة كجنوح الاحداث أو مدى علاقة ادوات الضبط الاجتماعي في الانحراف وما اذا كانت الانحرافات ناجمة عن خلل في التنشئة الاجتماعية او المنظومة القيمية والمعيارية كما ان ميرتون فرق بين ” الدور” الذي يعالج فكرة الصراعات في المجتمع ويزداد تنوعا وتخصصا في المجتمعات المعقدة وبين ” الوظيفية ” ، فالفرد مثلا يمكن ان يؤدي ادوارا معقدة ومتخصصة ولكنه يعجز عن القيام بكل الوظائف . لهذا تبرز فكرة التخصص في الادوار عوضا عن القيام بشتى الوظائف
العوق الوظيفي [الاختلال الوظيفي ]
يؤمن ميرتون بأن العناصر الاجتماعية يمكن ان تكون لها انعكاسات سلبية ، ولاصلاح هذا السهو الخطير في النظرية الوظيفية لجأ ميرتون الى استعمال مفهوم ” الاختلال الوظيفي “. اذ يرى ميرتون ان البنى والتنظيمات الاجتماعية مثلما تساهم في الحفاظ عل الاجزاء الاخرى للنسق الاجتماعي للمجتمع مثلما يمكن ان تكون لهما انعكاسات سلبية ايضا
مثال :
كان للنظام العبودي في الولايات المتحدة آثارا ايجابية على المواطنين البيض لا سيما فيما يتعلق بتوفير الايدي العاملة الرخيصة التي ساعدت على تحسين اقتصاد القطن وحسنت من المكانة الاجتماعية للبيض ، غير ان لهذه الميزة العنصرية آثارا سلبية جعلت السكان الجنوبيين في الولايات المتحدة يعتمدون كثيرا على الاقتصاد الزراعي مما أبقاهم غير مؤهلين “مهيئين ” لتقبل التصنيع . فالفروق بين سكان الشمال وسكان الجنوب الامريكي يمكن ارجاعه الى العوق الوظيفي للنظام العبودي في الجنوب ففي حين أدى النظام العبودي وظيفة النمو الاقتصادي والاجتماعي في الشمال نراه أعاق عملية التقدم الاقتصادي في الجنوب
تصنيفات ميرتون للوظائف
لاشك ان توضيحات ميرتون تمثل اضافات هامة بالنسبة لعلماء الاجتماع الذين يصرون على استعمال التحليلات الوظيفية في دراساتهم للوظائف الاجتماعية ، فتعديلات ميرتون للصيغ القديمة للنظرية الوظيفية تعد تعديلات ضخمة بحيث يمكن تسمية علماء الاجتماع الذين تبنوا تفكيره بـ” الوظيفيين الجدد
التطبيقات العملية للبنيوية الوظيفية:
تطبيق البنيوية الوظيفية على بحث جرائم النساء:
يمكن دراسة الدوافع الاساسية لجرائم النساء بدوافع بنيوية ووظيفية داخلية وخارجية، فالدوافع الداخلية لجرائم النساء تكمن في الظروف والمعطيات الداخلية للمرأة التي ارتكبت الفعل الاجرامي . فالمرأة قد تعيش في اسرة مظطربة او مفككة تتسم بعدم التوازن بين اجزائها ,فالمراة قد لاتربطها علاقة حميمة مع زوجها وان اولادها يعيشون في حالة ضياع, وانها تعاني من الفقر والحرمان المادي . وان علاقتها بأقربها ضعيفة او مفككة وان قيمها ومبادءها السلوكية متصدعة….الخ جميع هذة العوامل الداخلية تدفعها الى الجريمة والانحراف. اما الظروف الخارجية التي تعيشها المرأة التي ارتكبت الجريمة فتكون مؤاتية للجريمة والجنوح نتيجة ضعف وسائل الضبط الاجتماعي واضطراب وتداعي البيئة التي تعيشها مع شيوع الجريمة والفساد في ارجاء المجتمع, مع هشاشة او تناقض الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المؤثرة في المجتمع .جميع هذه الاوضاع البنيوية الخارجية تدفع المرأة الى الانحراف والجنوح.
اما وظائف الفعل الاجرامي الذي تقوم به النساء فهي نتائج الفعل وانعكاساته على المجتمع , فالجنوح يعرض المجتمع الى الاضطراب وفقدان الثقة وضياع الامن الاجتماعي وتصدع القيم والمقاييس , بمعنى اخر ان الوظائف تكون هدامة للبناء الاجتماعي وهدامة للفرد الذي ارتكب السلوك الجانح او الشاذ ايضا , فنتائج السلوك الاجرامي على المرأة نفسها كثيرة منها اضطراب نظامها القيمي والاخلاقي والسلوكي وتوليد عقدة الذنب عندها والتي تؤثر في توازن شخصيتها وتكيفها للمحيط . اضافة الى ظهور الدوافع الاجرامية عندها والتي تدفعها الى ارتكاب المزيد من الجرائم والاعمال المنكرة.
ويرجع أصحاب النظرية الوظيفية العنف الأسري إلى الخلل الوظيفي الأسري family dysfunction حيث ينظر أصحاب هذه النظرية إلى الأسرة كنظام اجتماعي social system له بناؤه وعلاقاته المتبادلة وحدوده التي تحفظ له توازنه، وبالتالي فإن توازن الأسرة يمكن أن يصيبه الخلل نتيجة اضطراب البناء أو العلاقات أو الحدود، وبهذا يمكن القول أن العنف الأسري هو دليل على وجود خلل ما في هذه الأجهزة المكونة للنظام. وإذا تغيرت القواعد والقوانين والمسؤوليات التي تعمل على توازن النظام الأسري، فإن من المتوقع أن تظهر في الأسرة علاقات سلبية.