نظريات التغير الاجتماعي

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 Rating 2.17 (9 Votes)

النظريات الكلاسيكية

أولاً : نظريات التقدم الاجتماعي:

تقوم نظرية التقدم الاجتماعي في نظرتها إلى التغير الاجتماعي على أنه يسير في خط متصاعد أي أن التغير يكون ارتقائياً . وأن المجتمعات في تقدم مستمر . ومن ممثلي هذا الاتجاه جان جاك روسـو وكندرسه وأوجست كونت : (1)_ نظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو J. J. Rousseau (1712-1778): جاءت نظريته عن التقدم الاجتماعي في كتابه المعروف "العقد الاجتماعي " Social Contra والتي من خلالها نجد تقدم الحياة الإنسانية قد جاء في مراحل تطورية : المرحلة الأولى: وهي مرحلة الحياة الفطرية وخضوع الإنسان للنظام الطبيعي. المرحلة الثانية: وهي مرحلة الملكية الفردية والإنتاج اليدوي في مجال الزراعة مما دعا الإنسان للاستقرار وتشكيل أسرة. المرحلة الثالثة: وهي مرحلة عدم المساواة، وفيها زاد التنافس والصراع بين الأفراد والجماعات وأصبحت السيطرة للأقوى. المرحلة الرابعة: وهي المرحلة التعاقدية ، ولقد تم فيها التعاقد بين الأفراد وقيام التنظيم السياسي المنظم ، واختيار حاكم يحكم بإرادتهم . وقد وجهت لنظرية روسو عدة انتقادات أهمها : أن نظريته خيالية وغير واقعية وتفتقر إلى سند تاريخي.إن فكرة التعاقد غير متصورة أصلا لاستحالة موافقة الأفراد جميعا في اختيار حاكمهم. تبقى الفكرة خيالية وافتراض قابل للنفي والإثبات. لقد نبهت نظرية روسو المفكرين إلى فكرة التقدم كما أنها ساهمت في إرساء فكرة الديمقراطية الحديثة ، حيث اعتبر كتاب العقد الاجتماعي إنجيل الثورة الفرنسية..

 

(2)_ نظرية انطونيان كوندرسه (1743-1794)Antonine Condercet شرح كوندرسه مسيرة تقدم الحياة الإنسانية في كتابه الشهير (شكل تاريخي لتقدم العقل البشري عام 1774م). وهو يرى بتقدم الإنسانية في خط مستقيم صاعد نحو الأفضل والكمال . أن الثقافة والتعليم هي القاعدة الأساسية في تحقيق التقدم بالمجتمع. ويرى أن التاريخ هو اكتشاف وتطبيق قوانين التقدم الاجتماعي. وكان ذو نظرة تفاؤلية لمراحل تقدم الإنسانية. والتقدم عنده عبارة عن تجميع للمعارف العلمية وتطبيقها. وتساعد على التعجيل بتحسين مستوى الإنسانية. وقد قسم تاريخ الحضارة إلى عشر مراحل. كل مرحلة تمثل فترة محددة في تقدم الإنسانية . وتتلخص هذه المراحل على النحو التالي :- 1.     المرحلة الطبيعية: وتقوم على الصناعات البدائية. 2.           مرحلة الرعي واستئناس الحيوان. 3.            مرحلة الزراعة: وهي مرحلة استقرار الإنسان. 4.  مرحلة الحضارة اليونانية: وفيها ظهرت المدنية عند اليونان كوحدة سياسية. 5.    مرحلة الحضارة الرومانية، وقد ظهرت فكرة الإمبراطورية والنزعة الرومانية العملية. 6.           مرحلة العصور الوسطى المسيحية: وقد بين فيها حدة الصراع بين السلطتين (الزمنية والدينية). 7.           مرحلة الإقطاع: وقد ظهر فيها الاستبداد من جانب الحكام والمحاربين ورجال الدين. 8.       مرحلة اختراع الطباعة : حيث سهلت انتشار الكتب والأفكار عموماً . 9.            مرحلة الثورة الفرنسية : يعتبرها كوندرسه عصر الحريـة وإعلان حقوق الإنسان واستحداث أساليب جديدة في الشؤون الإنسانية . 10.    مرحلة الآمال أو مستقبل الإنسانية: من خلال دراسة الماضي والحاضر للإنسانية. لهذا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه هذه الإنسانية. ويتحقق تطور وارتقاء ذاتي للفرد . وهكذا فقد كان متفائلاً في نظرته للمستقبل .

(3)_ نظرية أوجست كونت Auguste Conte (1779-1857): من خلال دراسته للديناميك سوسيال ( التغير الاجتماعية ) وللستاتيك سوسيال (البناء الاجتماعي) . توصل إلى قانون الحالات أو المراحل العقلية الثلاث ونظريته في التقدم الاجتماعي الخطي : قانون الحالات الثلاث : •  الحالة الدينية اللاهوتية ( الثيولوجية ): وهي المرحلة التي كانت تفسر فيها الظواهر المختلفة بعلل أولية. •  الحالة الفلسفية ( الميتافيزيقية ) (1300-1800 ) : يسميها (بعصر الثورات الغربية) ويكون تفكير الإنسانية وتصوراتها أقل تشخيصا . وتستبدل العلل الأولية بعلل أكثر عمومية وهي كينونات ميتافيزيقية ( فوق الحس الإنساني ). •            الحالة العلمية ( الوضعية ) من (1800م إلى ما لانهاية): فيها تفسر الظواهر بعلل تقوم على المنهج العلمي المبني على الملاحظة. والتجربة والمقارنة التاريخية والابتعاد عن العلل المجردة .

نظرية التقدم الاجتماعي: يرى كونت أن التطور الارتقائي الذي شهدته الإنسانية يبدو في مظهرين هما :- 1. التقدم الارتقائي للحالة الاجتماعية : فهي في تحسن مستمر وذلك بفضل ما نستطيع كشفه من قوانين الظواهر الاجتماعية . للتنبؤ بسير الظواهر فيحول ذلك دون انحرافها من خلال ضبطها وتوجيهها الوجهة المرغوبة . 2. التقدم الارتقائي للطبيعية البشرية : فقد حدث في النواحي: الطبيعية والعقلية والأخلاقية . وقد ووجهت العديد من الانتقادات لآراء كونت في التقدم الاجتماعي .

 

ثانياً : نظريـات الدورة الاجتمــاعية:

وهي نظريات متشائمة حول مستقبل التغير الاجتماعي . حيث ترى أن عملية تغير الحياة الاجتماعية تسير بشكل دائري تنتهي حيث بـدأت وهذه الحركة منتظمة تشبه نمو الكائن الحي ، أي أن عملية التغير تتجه صعوداً وهبوطاً ، بحيث تبدأ من نقطة معينة في دورة تقود المجتمع إلى نقطة مشابهة للتي بدأ منها . ويمكن تناول ثلاث نظريات في هذا المجال هي: 1.            النظرية الدائرية العامة (ابن خلدون): 2. النظرية الدائرية الجزئية (شبنجلر) : 3.  النظرية الدائرية اللولبية ( فيكو):

(1)_ النظرية الدائرية العامة (ابن خلدون 1332-1406): ويرى أن الثقافة لأي مجتمع تمر في دائرة تبدأ بالميلاد وتسير نحو النضج والكمال ثم تتجه نحو الشيخوخة ولتعود مرة أخرى إلى التقدم والرقي. وقد حاول ابن خلدون أن يتتبع المجتمع بالدراسة والتحليل من نشأته حتى فساده. ويرى أن التاريخ البشري يسير وفق خطة معينة فحوادثه مرتبطة ببعضها البعض وأن المجتمع البشري شأنه شأن الفرد الذي يمر بمراحل منذ ولادته وحتى وفاته وكذلك يحدث للدول. وأن مسيرة المجتمع تغيرية دائرية تبدأ وتنتهي في النقطة التي كانت قد بدأت منها . وأن هذه الظاهرة خارجة عن إرادة الإنسان . ويرى ابن خلدون أن النظم والظواهر العمرانية تتغير في أثناء تطورها . لذلك أولى الناحية التطورية للمجتمع عناية كبيرة وتعرف على العوامل التي تؤثر فيه. وقد توصل من خلال دراسته للمجتمع إلى (قانون الأطوار الثلاثة) وهي: 1-         طور النشأة والتكوين ، وفيه يتولى مقاليد الأمور المؤسسين . 2-         طور النضج والاكتمال ، وفيه يتولى مقاليد الأمور المقلدين . 3-   طور الهرم والشيخوخة ، وفيه يتولى مقاليد الأمور الهادمين . وحدد عمر كل طور من هذه الأطوار الثلاثة بحوالي (40 سنة ) فيكون عمر الدولة (120 سنة ) وبعد فناء مجتمع يقوم مجتمع جديد على أنقاضه . ومن خلال هذه الأجيال الثلاثة يمر المجتمع بخمس مراحل هي: 1-         مرحلة البداوة .      2-         مرحلة الملك . 3-    مرحلة الترف والتنعيم .        4-        مرحلة الضعف والاستكانة. 5-            مرحلة الفناء . ودرس خصائص كل مرحلة فرأى أن العصبية تكون دعامة المجتمع القبلي ودرس العوامل التي تكون عاملاً في تطور المجتمع القبلي وهي: 1 -العصبية. 2-            الفضيلة. 3-الدعوة الدينية. بينما وجد أن المجتمع المتحضر يصل إلى درجة النضج من حيث التنظيم الاجتماعي والسياسي وانفراد السلطان بالمجد والسلطة ثم الركون إلى الدعة. وتعرض إلى عوامل فساد المجتمع وهي الانهيار الاقتصادي والضعف الديني وتوصل إلى قانون ( أن الهرم إذا نزل بدولة لا يرتفع ) وتعرض إلى عوامل تساعد على سرعة التقدم وهي عوامل بيئية وكثافة السكان ثم عدالة الدولة . وأشار ابن خلدون أن الحضارة تحدث جانباً سلبياً لأنها تدعوا إلى الاسترخاء والخمول، وأكد أن الحضارة هي نهاية العمران البشري . وهكذا يضح أن ابن خلدون صاحب نظرية أصيلة في علم الاجتماع ، مع وجود بعض المآخذ على نظريته .

(2)_النظرية الدائرية الجزئية (شبنجلر 1856-1936) : وهي نظرية تشاؤمية ، وتعتني بدراسة ظاهرة اجتماعية جزئية معينة في المجتمع لإثبات أنها تسير في اتجاه دائري ومنتهية إلى النقطة التي بدأت منها كبداية ملكية الأرض الزراعية للقبيلة ثم إلى ملكية الدولة للأراضي الزراعية ومشاريع الإنتاج . وقد اهتم العالم الألماني "شبنجلر" ممثل هذا الاتجاه بتكوين الثقافة وأنواعها وتطورها. ونظريته في التغير الدوري الجزئي مبنية على أن الثقافة خاصية للمجتمعات . أي أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة التي تميزه ، وبالتالي فإن عملية التغير لا تكون واحدة في المجتمعات ؛ وإنما لكل مجتمع نمطه الخاص في التغير وفق ثقافته . ويشبه تطور الثقافة بمراحل العمر ، وأحياناً بفصول السنة . وقسم شبنجلر الثقافات واهتم بتحديد أعمارها فيقسمها إلى ثماني ثقافات أساسية هي: 1-    المصرية. 2-            بلاد الرافدين.        3-         الهندية. 4-           الصينية.  5-        الكلاسيكية (الأبوللنية). 6-العربية (أو المجوسية). 7-         وثقافات المايا.            8-         الثقافات الغربية (الفاوستية). وأن لكل حضارة كبرى خصائصها ومميزاتها إلا أنها تتفق في تاريخ التطور العام وهي تتجه نحو الفناء . ويرى أن عمر كل ثقافة يبلغ 1000سنة. ومن هنا نستطيع أن ندرك سر عنوان كتابه (تدهور الغرب) وما أثاره هذا الكتاب من عواطف وانفعالات لدى الشعوب الغربية ، حيث يرى أن الثقافة الغربية بدأت عام 900م وتنتهي عام 1900م . ومن المآخذ على نظريتـه: قوله بحتمية الفناء للحضارات وفكرة الفناء غير واقعية فهي لا تفنى وإنما تتغير بفعل الاختراعات والتراكمات الثقافية . كما أن عملية تشبيه تقدم الحضارة بتطور الكائن العضوي فيه تبسيط لفكرة التقدم لأن الحضارة تتقدم بفعل عوامل داخلية وخارجية بعكس ما يقوله شبنجلر بفعل عوامل داخلية فقط .

 

(3)_النظرية الدائرية اللولبية ( فيكو 1668-1744): ويرى ممثلها وهو العالم الإيطالي "فيكو" أن التقدم الاجتماعي يسير في شكل دائري معاود في إطار لولبي أو حلزوني (الارتداد المغاير ) بحيث كل دورة تعلو الدورة السابقة وتكون أنضج منها ثقافياً . وهكذا فهو يرى أن التقدم ليس خطياً صاعداً وإنما يتكرر باستمرار في دورات ثلاث ، ليست في مستوى واحد . وهكذا فهو يرى بأن هناك ارتفاع تدريجي للثقافة الإنسانية . أي أن الجماعات الإنسانية ترتد إلى حالتها الأولى (النكوص) ولكن بصورة مغايرة وأفضل نسبياً مع بداية الدورة من جديد . واهتم " فيكو " بدراسة فقه اللغة لما للغة من أهمية في الكشف عن تطور النظم والمؤسسات الاجتماعية .كما عالج في كتابه (مبادئ علم جديد) تاريخ تطور المجتمعات الإنسانية فقسمها إلى ثلاث مراحل متعاقبة : 1-           المرحلة الدينية : وتتميز بالطبيعة التأليهية للأشياء وأن حياة المجتمع في هذه المرحلة تعتمد كلياً على مقولات دينية في مجالاتها المختلفة. 2-          مرحلة البطولية : وتبدو في تعظيم الشرف والمغامرة وظهور الارستقراطية السياسية والحق فيها للأقوى . 3-         مرحلة الإنسانية : وتتميز بالحرية السياسية والمساواة وسيادة الحقوق المدنية وانتشار الأنظمة الديمقراطية .

 

ثالثاً : نظريات التطور الاجتماعي :

تعتبر فكرة التطور من أهم الأحداث الكبرى التي سيطرت على الفكر الإنساني ، خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان لكتاب داروين " أصل الأنواع " الذي نشره عام 1859م أكبر الأثر في نشوء النظرية التطورية في الفكر السوسيولوجي . ومن أشهر الممثلين للاتجاه التطوري في علم الاجتماع العالم الإنجليزي هربرت سبنسر ، الذي يعتبر من أهم دعائم الحركة الاجتماعية العلمية في القرن التاسع عشر ، وهناك تشابه كبير بين نظريته الاجتماعية ونظرية داروين البيولوجية ، حيث شبه تطور المجتمع بتطور الكائن العضوي .

نظرية هربرت سبنسر (1820-1903)يرى سبنسر أن كل الأفعال تسير وفق قانون "الاتصال النسبي " أي أنها مرتبطة ببعضها ، حيث أن هناك تشابهاً بين المجتمع والكائن العضوي في عدة مجالات . وهو يرى أن التطور بشكل عام يتجه تدريجياً من مرحلة التجانس Homogeneite إلى مرحلة اللاتجانسHeterogeneite وصولاً إلى مرحلة التكامل Integration . ويكون تطور المجتمع حتمياً نتيجة لعوامل طبيعية ونفسية وحيوية تعمل بشكل متكامل في عملية تطورية يطلق عليها سبنسر " التطور فوق العضوي " وأن التخصص غاية كل تطور وارتقاء للمخلوقات . أي أنه كلما ازداد الكائن العضوي تعقيداً ازداد اختصاصاً وتفريداً . وكلما ازدادت الأعضاء تفرداً واختصاصاً ازدادت استقلالاً . أن عملية النمو – التطور – يستدل عليها من ازدياد الحجم للمجتمع و الكائن العضوي . وأنه لا يوجد تطور مستمر وإنما نهايته الفناء . وبذلك فإن نظرة سبنسر للتطور تعد نظرة تشاؤمية . وهكذا فإنه مع وجود بعض الانتقادات العامة فقد لاقت أفكار سبنسر رواجاً كبيراً خلال حياته وأثرت في توجيه النظرية الإجماعية وهناك تشابه كبير بين ما ذهب إليه وما كان قد نادى به العلامة ابن خلدون . وقد استجابت نظرية سبنسر لحاجتين أساسيتين لهذا العصر : الأولى: الرغبة في توحيد المعرفة . الثانية : الحاجة إلى مبرر علمي لمبدأ " دعه يعمل " .

تقييم عام للنظريات الكلاسيكية يتبين من العرض السابق للنظريات الكلاسيكية أن نظرتها إلى التغير الاجتماعي نظرة عامه وشاملة دون تمييز للاختلاف الثقافي بين المجتمعات ، أي ذات نظرة عامه للإنسانية . وهي دراسة تقع في دائرة " فلسفة التاريخ " وهناك اختلاف بين نظرة علم الاجتماع ونظرة فلسفة التاريخ في دراسة الحضارات الإنسانية ، فعلم الاجتماع لا يقر فكرة التقدم المطلق لأنها فكرة فلسفية وشخصية تعبر عن وجهه خاصة . كما أن علماء الاجتماع لا يصدقون أحكاماً قيميه مطلقة في تقدم المجتمعات ، وإنما يرون أن المجتمعات يصيبها التخلف بعد تقدم أو العكس ، وفي عصور مختلفة . لقد بنت النظريات الكلاسيكية أفكارها على استقراء ناقص في الوقت الذي وصلت فيه إلى التعميم المطلق ، فلم تقم إلا بدراسة مجتمع واحد في الغالب لكنها تبقى مهمة لكونها تشكل إطاراً مرجعياً للفكر السوسيولوجي في النظرية الاجتماعية المعاصرة .

النظريات الحديثة (السوسيولوجية)

أولاً : نظرية العامل التكنولوجي : وتعرف التكنولوجيا بأنها التقنية التي يستخدمها الناس في وقت معين من أجل التكيف مع الوسط البيوفيزيقي . كما يمكن تعريفها ، بأنها مجموع المعارف ، والخبرات المتراكمة والمتاحة والوسائل المادية والتنظيمية التي تستخدم في مجالات مختلفة بغية إشباع الحاجات البشرية المتزايدة ، سواء على صعيد الفرد أم المجتمع . العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع : ترتبط التكنولوجيا بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً ، فهي انعكاس لثقافة المجتمع المادية والفكرية وتشمل التكنولوجيا العلم التطبيقي الذي يؤدي إلى صناعة الأشياء المادية . ونحن نهتم بالتكنولوجيا كمعاني وأبعاد وانعكاسات وليس كآلات نظراً للآثار التي تتركها في المجتمع. وتتلخص العلاقة بين المجتمع والتكنولوجيا في الأوجه التالية : 1)           يؤدي الموقف السوسيولوجي إلى الاختراع المادي الذي يستعمل في المجتمع . 2)    يؤثر الاختراع التكنولوجي في حياة المجتمع من خلال استعماله . 3)    تؤثر التكنولوجيا في مجتمعات لم تساهم في عملية الاختراع أو الاكتشاف ، وذلك بفعل عامل الانتشار . التكنولوجيا والتغير الاجتماعي : ترى النظرية التكنولوجية أن التغير الاجتماعي سببه العامل التكنولوجي ، أي أن التكنولوجيا هي علة التغير في المجتمع ، وإن للعامل التكنولوجي أثراً مهماً في التاريخ الاجتماعي للمجتمعات ويؤدي إلى تقدمها . وقد ساهمت التكنولوجيا في تكوين اتجاهات عدة داخل المجتمع ومنها : 1)  التخصص في العمل ، حيث تقوم التكنولوجيا بوظائف متعددة وتصل إلى إنجاز عملها بكفاءة كبيرة . 2)    تكتسب الاختراعات التكنولوجية أهمية بالغة في حياة المجتمعات لأهمية ووضوح دورها مثل الكهرباء والهاتف وغيرها . 3)          إيجاد الظاهرة الامبريالية والاستعمار والتبعية ، الناتجة أساساً عن الثورة الصناعية التي أدت فائض في الإنتاج الصناعي وإلى مخترعات متفوقة . 4) التغير في مجال القيم الاجتماعية مثل قيمة تأثير السيارة كبديل تكنولوجي للجمل وارتفاع قيمة حياة الاستقرار والحضر على حساب حياة الترحال والبداوة التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية . 5)      ظهور أهمية المجتمعات الصناعية ، وسرعة تقدمها مقارنة بالمجتمعات الأخرى . وتؤدي التكنولوجيا دورها في إحداث التغير الاجتماعي : عندما يحدث تراكم في مجال الثقافة المادية نتيجة لعامل : الاختراع والاكتشـاف أو عامل : الانتشار وذلك بشكل أسرع من الجانب اللامادي للثقافة ، الأمر الذي يؤدي إلى تخلف الجانب اللامادي عن الجانب المادي ، وهذه الظاهرة يطلق عليها العالم أوجبيرن مصطلح " الهوة الثقافية " أو " التخلف الثقافي ". ومن ثم تعمل الجوانب المادية على دفع اللامادية نحو التغير . ومن العلماء الذين يقولون بالنظرية التكنولوجية العالم نمكوف الذي درس أثر التكنولوجيا في الأسرة ، وإحداث التغيرات الاجتماعية فيها ومن أبرزها الحد من سلطان الرجل في اتخاذ القرار والسيطرة والتملك والمساواة بين الجنسين . وخلاصة القول ، إن القائلين بالنظرية التكنولوجية في التغير يرون أن التغيرات الاجتماعية تعود إلى العامل التكنولوجي ، وأن التكنولوجيا هي أول ما يتغير . إلا أن هناك بعض الآراء المعارضة لهذا الاتجاه . ثانياً : نظرية العامل الديموغرافي (Demography) يقصد بالديموغرافيا مجموعة العناصر المتعلقة بالهيكل السكاني من حيث الزيادة أو النقصان ، ومن حيث الكثافة أو التخلخل ، وكذلك التوزيع حسب الهرم السكاني وما إلى ذلك . وتؤكد الدراسات السكانية الحديثة على وجود علاقة بين السكان وقضايا التخلف والتقدم ، أي بمسألة التغير الاجتماعي عموماً ، من خلال العلاقة بين النسق الديموغرافي والبناء الاجتماعي وخاصة النسقين : الأيكولوجي والاقتصادي بوجه عام واستغلال موارد المجتمع ومعدلات التنمية الشاملة ، ومثال ذلك ما أحدثته الهجرة الداخلية والخارجية من تغيرات ملحوظة في مجتمعنا السعودي . وقد أكد " دور كايم " في تحليله للعامل الديموغرافي والتغير الاجتماعي على أن تقسيم العمل قد أحدث تغييرات جذرية بالانتقال من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي ، ويعود ذلك إلى الخصائص السكانية للمجتمعات . كما نجد نظرية دبلداي التي تربط بين النمو السكاني ، وبين البناء الطبقي للمجتمع من خلال تطبيق القانون العام للوراثة لدى الكائنات الحية . وهناك من يربط بين معدلات التوالد ، وبين الحراك الاجتماعي الرأسي داخل المجتمع ، على اعتبار أنه مظهر من مظاهر التغير الاجتماعي ، ومن هؤلاء أرسين ديمونت . ويتبين من مجمل الآراء السابقة ، أنها تضع العامل الديموغرافي وراء حدوث التغيرات الاجتماعية السائدة في المجتمع ، بمعنى أن الديموغرافيا تستطيع تفسير مقولة التغير الاجتماعي . ثالثاً : نظرية العامل الاقتصادي: تعرف النظرية الاقتصادية بالنظرية الماركسية وهي تتبنى مقولة "الحتمية الاقتصادية" التي تركز في تفسيرها لعملية التغير الاجتماعي على دور البناء الاقتصادي ( التحتي ) للمجتمع ، وتأثيره على مختلف العلاقات الاجتماعية وعلى الجوانب الفكرية والثقافية عموماً ( البناء الفوقي ) . ويرى بوتومور أن النظرية الماركسية تفرد مكانة خاصة للصراع بين عنصرين أساسين في الحياة الاجتماعية : 1- تغير الماديات (قوى الإنتاج) وتضم: الآلات "الوسائل" الأشخاص الذين يستخدمون الآلات المعارف الفنية "التقنية". 2- تغير العلاقات بين الطبقات الاجتماعية (علاقات الإنتاج) ويقصد بها العلاقات القائمة بين الأفراد خلال عملية الإنتاج وهي إما علاقات تعاون وتعاضد أو سيطرة وخضوع وهي تضم :صور ملكية وسائل الإنتاج ، وضع مختلف الفئات الاجتماعية في الإنتاج ، صور توزيع المنتجات. على أن التغير المستمر في العامل الأول يغير في العامل الثاني وفي طبيعة الصراع الجدلي بينهما . وأهم مقولات هذه النظرية في تفسير التغير الاجتماعي والتطور التاريخي هي : (1)   -أن ما يحكم التاريخ والمجتمع في تغيره الاجتماعي ليس قوى غيبية وإنما هو طبيعة القوى المادية . (2)          -أن تغير قوى الإنتاج يؤدي آلي تغير علاقات الإنتاج آلتي بدورها تغير العلاقات الاجتماعية عموماً. (3)    -أن المحرك الأول للتاريخ والتقدم هو محاولة الإنسان إنتاج الوسائل اللازمة لإشباع حاجاته . (4)   -يؤكد أوسكار لانج بأن هناك قانونين أساسين يتحكمان في الحركة الديالكتيكية للمجتمع أحدهما يتعلق بالتأثير المتبادل (التناقض الجدلي ) بين البناء التحتي المتمثل في أسلوب الإنتاج (قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ) وبين البناء الفوقي المتمثل بالنظم السياسية والقانونية والأخلاقية . والآخر هو قانون التوافق الضروري بين البناء التحتي والبناء الفوقي . ويرى أوسكار أن تطور المجتمع البشري يتألف من ثلاث عمليات ديالكتيكية : -التناقضات المستمرة في التفاعل بين الإنسان والطبيعة . -التناقض بين القوى المنتجة الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة . -التناقض بين علاقة الإنتاج الجديدة وبين التركيب الفوقي القديم . (5)  -إذا كانت القوى المنتجة في تطور مستمر فأن علاقات الإنتاج لتتغير بالسرعة نفسها نظراً لمحاولة القوى المسيطرة الإبقاء عليها حفاظاً على تسلطها الاقتصادي والسياسي ولا مخرج من هذا إلا بحدوث انفجار ثوري اجتماعي ينسف البنية الفوقية. ومجمل القول أن النظيرة الاقتصادية الماركسية تعالج التغير الاجتماعي من خلال التناقض داخل بناء المجتمع على أساس الحتمية المادية . وهي تعتبر أقرب إلي الواقعية مقارنة بالنظريات الأخرى ؛ لكنها في الحالات كلها لا تستطيع تفسير مختلف التغيرات التي تحدث في مختلف المجتمعات.. وهناك الكثير من الانتقادات حول هذه النظرية الاقتصادية في تفسيرها لعملية التغير الاجتماعي .

 

 

رابعاً : نظريات العامل الثقافي :

تركز نظريات العامل الثقافي بشكل عام على آليات التغير الثقافي ومصادره ، وهل هي داخلية أم خارجية ؟ وكيف يحدث ذلك ؟ وتتمثل في ثلاث اتجاهات رئيسة هي :- ( 1 )_نظـرية الانتشار الثقافي :- ( 2 )_نظـرية الارتباط الثقافي :- ( 3 )_نظـرية الصراع الثقافي :- ( 1 )_نظـرية الانتشـار الثقافي : وهي نظرية قديمة ترى أن انتشار السمات الثقافية هو العامل الأساسي في إحداث التغيرات الثقافية ، وهي تميز بين انتقال عناصر وأنماط الثقافة من جيل سابق إلى جيل لاحق داخل المجتمع نفسه وبين انتشارها عبر المكان أي نقلها من منطقة إلى منطقة أخرى ، إلى أن تعم العالم الإنساني فالأول (الانتقال ) يشير إلى التراث والإرث الثقافي ، أما الثاني فيمكن القول بالاستعارات الثقافية والتركيز على العوامل الخارجية في التغير . وتعتمد عملية الانتشار على عامل الاختراع والاكتشاف وهناك عدد من الآليات التي تساعد في هذه العملية الانتشارية مثل الهجرة والاستعمار والثورة مثل الثورة الفرنسية أو البلشفية ووسائل الإعلام والاتصالات في العصر الحالي . وهناك ثلاث مدارس حول مناقشة الانتشار الثقافي : أ – المدرسة الألمانية النمساوية : بزعامة " جرايبنر " وهي تذهب إلى القول بوجود سبع أو ثمان نماذج ثقافية تعتبر هي الأصيلة في العالم ثم انتشرت في أرجاء العالم سواء بشكل جزئي أو كلي. ب – المدرسة الإنجليزية : بزعامة " إليوت سميث " و "بري " ورأت بأن هناك نقطة واحدة محورية لانتشار الثقافة وهي الحضارة المصرية التي عمت العالم إلى حلت محلها الحضارة اليونانية . ج – المدرسة الأمريكية : أصحاب هذه المدرسة كل من بواس و كرويبر ، وهي التي تطرح أسئلة حول الآثار المترتبة على عملية الانتشار الثقافي في المجتمعات وهذا التحليل أقرب إلى التحليل الاجتماعي . وهناك بعض الملاحظات حول هذه النظرية أهمها :- 1–ركزت هذه النظرية على العامل الخارجي لأن الانتشار هو العنصر الذي قدم من الخارج . 2 – والانتشاريون أهملوا عنصر الإرادة الإنسانية واعتبروا عملية الانتشار تلقائية. 3 – ولم يفسر الانتشاريون كيف ولماذا تنتشر السمات الثقافية من مجتمع دون آخر الأمر الذي كان مهملاً عندهم . كما أنهم لم يفسروا أسباب انتشار الثقافة .

( 2 )– نظرية الارتباط الثقافي : على العكس من نظرية الانتشار ؛ ركزت هذه النظرية على العوامل الداخلية في المجتمع ، وإن العوامل الكامنة في المجتمع هي الأساس في عملية التغير الاجتماعي . ومن أنصار هذه النظرية العالم الأمريكي " سوروكين " في نظرية الارتداد المضاد أو المعاكس في عملية التقدم والتطور الاجتماعي وذلك بشكل دوري تبادلي بين ثلاثة أنماط أو مذاهب حضارية وثقافية ، هي : التصوري والمثالي والحسـي . وهو يقول بعدم فناء الثقافة لكنها تمتص وتتحول ، وهكذا يبدوا متفائلاً على عكس كل من توينبي وشبنجلر . ويقيم نظريته في الارتباط الثقافي على شيئين هما : التغير الداخلي الموروث ؛ أي هناك آلية للتغير الحتمي داخل كل مجتمع . ومبدأ الحديّة في التغير : أي حدية العلاقة السببية بين المتغيرات المترابطة في عملية التغير . وقد تعرضت آراء سوروكين هذه لعدة انتقادات منها : -

1 – خاصية التحول في اعتماد متبادل بين العناصر تستدعي التفكير في حلقة مفرغة .

2 – كما يتجاهل أثر العوامل الخارجية والتأثيرات المتبادلة بين ثقافة المجتمعات . 3 – وكذلك النظرة أحادية العامل في التغير وتجاهل دور الإرادة والقصد والتخطيط .

( 3 )_ نظرية الصراع الثقافي ( المتناقضات الثقافية ) تفسر هذه النظرية أو التغير الاجتماعي بالرجوع إلى المتناقضات الثقافية وبالتالي فإنها ترى بأنه كلما زادت المتناقضات داخل المجتمع كلما أدت إلى زيادة الصراع الذي يؤدي بدوره إلى التغير . والماركسيّون يرون أن تاريخ المجتمعات هو تاريخ صراع بين الطبقات المتناقضة المصالح ويرون أن التناقضات على ثلاث مستويات وأشكال هي :- 1 – التناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج . 2 – التناقضات بين البناء الاقتصادي ( التحتي ) والبناء الأيديولوجي (الفوقي ). 3 – التناقضات بين قوى البناء الفوقي نفسه ( الثقافي ) ويقول رالف در ندورف أن هناك صراعات ذات منشأ خارجي كالحروب وأخرى ذات منشأ داخلي مثل الصراعات الحزبية .

 

الخلاصة العامة للنظريات العاملية

أولاً : ادعاؤها بوحدانية العامل المؤثر في حدوث التغير يتنافى مع حقيقة التداخل والتشابك بين جوانب ومجالات الحياة الاجتماعية بحيث يصعب الفصل بينها مما يستدعي البحث في العديد من العوامل المختلفة والمتداخلة . ثانياً : إن تبني عامل واحد في تفسير عملية التغير الاجتماعي معناه أن جميع المجتمعات متماثلة ، وفي ذلك مخالفة للواقع الذي يتصف بالنسبية المكانية . ثالثاً : وهذه الحتمية تعني استبعاد حقيقة التجديد الجوهري في مسيرة المجتمع وما يتصف به من نسبية زمانية ومستحدثات مثل معطيات الثورة الصناعية والاتصالات والطب ... رابعاً : إن النظريات السابقة قللت من دور الأهداف الإنسانية ولإرادة والذكاء في محاولتها توجيه التغير الاجتماعي . خامساً: إن عملية التغير الاجتماعي هي عملية مستمرة ، وبالتالي فهي بحاجة إلى عوامل متغيرة وليست جامدة .

النظريات المعصرة في التغير الاجتماعي

أولاً : النظرية البنائية الوظيفية  :: Structural Functionalism Theory يستند مدخل النظرية البنائية الوظيفية (Structural Functionalism Theory ) إلى المماثلة العضوية بين الكائنات البيولوجية الحية وبين الحياة الاجتماعية من حيث أن كل منها عبارة عن نسق من الوحدات البنائية أو الأعضاء المترابطة التي يؤدي كل منها وظيفة معينة أو أكثر من الوظائف الأساسية من أجل بقاء الكل سواء الكائن الحي أو المجتمع ، وهكذا فإنه يمكن القول باختصار شديد، إن للنموذج البنائي الوظيفي بؤرتين للاهتمام هما البناء الاجتماعي والوظيفة الاجتماعية : 1_ البناء الاجتماعي Social Structure تتجمع الجماعات في عدد من الوحدات ؛ لتشكل أنساقاً أكبر هي التنظيمات (Organizations) . وفيها تتحد الوحدات الأصغر لتحقيق بعض الأهداف الخاصة كالتنشئـة والدفاع عن الوطن أو تحقيق العدالة . ويشكل مجموع هذه التنظيمات والمعايير في قطاع واحد من قطاعات المجتمع ما يسمى بالنظام الاجتماعي Social System . وتتشابك النظم الاجتماعية ( Social systems ) الأنساق الصغرى والأنساق الكبرى (Micro and macro ) وتترابط لتكون في نهاية الأمر الواقع الكلي للمجتمع أو البناء الاجتماعي (Structure Social ) وعلى ذلك ، فالواقع الاجتماعي يشمل أنماطاً معيارية من النظم الاجتماعية كالنظام العائلي ، والنظام الديني ، والنظام الاقتصادي والنظام السياسي ، والنظام التربوي ، وتضم هذه النظم الاجتماعية عديداً من الجماعات ، قد تكون صغيرة لا تزيد عن شخصين ، وقد تضم عدداً أكبر من الأشخاص ، أو جميع أعضاء المجتمع . (بيث هس وآخرون :1409هـ ، ص ص146_174) . وفى المجتمعات العصرية حلت "التنظيمات الرسمية (Formal Organizations )الكبيرة محل الجماعات الصغيرة . وأهم الجماعات الرسمية الكبيرة ، النـوع المعروف باسم البيروقراطيـة (Bureaucracy ) بتخصصاتها الدقيقة في الأعمال والوظائف ، وبنائها الهرمي ونظامها في التعيين والترقية الذي يقوم على الكفاءة والموهبة . وللبيروقراطيات إيجابياتها(Positive Features )كما أن لها سلبياتها (Negative Feature ) . ويمكن أن تشتمل البيروقراطيات على نوع من العلاقات الوسيطة أو الحميمة بين العاملين فيها ، كتلك العلاقات السائدة في الجماعة الأولية ( Mediating Groups Within the Bureaucracy ) . (بيث هس وآخرون :1409هـ ، ص ص175_183) . 2_ الوظيفة الاجتماعية Social Function تتمثل بؤرة الاهتمام الثانية للبنائية الوظيفية في مفهوم " الوظيفة الاجتماعية " فالسؤال الوظيفي هو: ما الذي يسهم به هذا العنصر المعين من عناصر البناء الاجتماعي ، أو هذا النمط السلوكي ، لدعم قدرة النظام الاجتماعي على التوافق والتوازن والبقاء ؟ وهذه هي وظيفة هذا العنصر المعين ، أو ذاك النمط السلوكي الخاص . وعلى هذا الأساس فإنه يمكن تحليل أي من النظم الاقتصادية والسياسية والدينية والتربوية والعائلية ..الخ ، في ضوء ما تقوم به من وظائف بالنسبة لغيرها من النظم الاجتماعية الأخرى وبالنسبة لبناء المجتمع ككل ، وكمثال للعلاقات الوظيفية بين أجزاء البناء الاجتماعي فإننا نستطيع أن نستقصي العلاقة بين نظام اجتماعي معين ونظام اجتماعي آخر من النظم الاجتماعية التي تشكل البناء الاجتماعي ، فلو أخذنا مثالاً من مجتمعنا ، وليكن العلاقة بين النظام العائلي والنظام الديني ؛ فالزواج يبدأ بالخطبة وللرسول صلى الله عليه وسلم نصائح بصددها :" تنكح المرأة لأربع ، لجمالها ومالها وحسبها ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك" ذلك أن صفة التدين غير متغيرة كالجمال والمال والحسب ، وأيضا لتأثيرها الكبير في الوظيفة المحورية للعائلة ، وهى تربية الأطفال وتنشئتهم . وكذلك يتحدث القرآن الكريم عن حقوق كل من الزوج والزوجة والأبناء وواجباتهم . ويمكن أن نقوم بتحليل مماثل للعلاقات الوظيفية المتبادلة بين مختلف النظم الاجتماعية ، وأيضا بين الجماعات بعضها بعضا ، والأشخاص بعضهم بعضا. إن الكل ، سواء كان جماعة أم كان مجتمعا ، يظل متماسكا ، لا بفضل العلاقات الوظيفية المتساندة بين أجزائه المختلفة فحسب ، وإنما أيضا بفضل نظام القيم السائد بين أفراد الجماعة كالأسرة ، وأعضاء المجتمع . ويشير نظام القيم إلى وحدة الجماعة الكامنة ، والى الاتفاق على أهداف النظام الاجتماعي، والوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف. ويميز الوظيفيون بين الوظيفية الإيجابية والسلبية أو غير الوظيفية في تفاعلات النسق الاجتماعي ، ويأتي الفرق بين هذين النوعين من أن أنماط السلوك وعناصر البناء الاجتماعي لا تكون كلها وظيفية ، بمعنى أن تسهم بالضرورة في بقاء النظام الاجتماعي ، فبعض أنماط السلوك والتصرفات يمكن أن تقلل من قدرة النظام الاجتماعي على التوافق ، والتوازن ومن ثم تعتبر غير وظيفية وفى تقويم أنماط السلوك وعناصر البناء الاجتماعي ، ينبغي أن يكون السؤال هو: ما هي نتائج مثل هذا النمط السلوكي أو التصرف المعين ؟ هل يساعد أو يعرقل استمرارية النظام الاجتماعي ؟ هل يحقق أهداف الأفراد والجماعات ؟. على أنه لا يمكن تحقيق جميع الأهداف فنجاح جماعة معينة قد يتضمن فشل أخرى . ومن هنا ينبغي أن يحدد عالم الاجتماع في تقويمه لظاهرة أو نمط سلوكي معين: وظيفي لمن ؟ ولأي شئ ؟ فمن الواضح ، أن الحرب ، يمكن أن تكون وظيفية لمجتمع معين (هزيمة للعدو- اتساع رقعة الأرض وزيادة الموارد- أو منع التهديد وغير ذلك ) ولكنها تكون غير وظيفية إلى حد بعيد لمعظم الجنود والمدنيين . وهكذا نرى أن الحرب لها نتائج مختلفة بحسب الفئات المختلفة من الناس وللقطاعات المتباينة من المجتمع الأكبر . فقد تكون مكسبا للصناعات الحربية ، وخسارة للصناعات المدنية ، لأنها تكون على حساب المستهلك . كما يميز العلماء الوظيفيون أيضاً بين الوظائف الظاهرة للعمل أو نمط السلوك ، وهى الوظائف المعَبَّر عنها والمقصودة بشكل مباشر ، وبين الوظائف الكامنة ، وهى الوظائف غير المتوقعة وغير المقصودة أو غير المباشرة . وبقول إنه لا يوجد عمل أو تخطيط اجتماعي تكون له نتيجة واحدة فقط ، ويمكن أن تكون له عديد من المخرجات غير الظاهرة للعيان ، وغير المقصودة ، فمثلاً الوظيفة الظاهرة للسيارة هي المواصلات ولكن لماذا تختلف السيارات من حيث النوع والقيمة ؟، الجواب : تختلف على أساسي اختلاف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص ، إذا فهي تؤدي وظيفة اجتماعية للتعبير عن مكانة الشخص . ويميزون كذلك بين مفهومي البدائل الوظيفية والوظائف البديلة أي أنه لا ينبغي أن نفترض وظيفة واحدة فقط لكل عنصر أو مجرد عنصر واحد فقط لأداء وظيفة معينة. فكما نقول إن عملاً معيناً يمكن أن يكون له أكثر من نتيجة ، فإننا نستطيع القـول إن وظيفة معينة يمكن أن تتحقق بعديد من الوسائل . فالرعاية الصحية للأطفال وتدريبهم وحمايتهم على سبيل المثال ، هي في المحل الأول مسئولية عائلات هؤلاء الأطفال ، ولكن تشاركها هذه المسئولية اليوم مؤسسات أخرى كبدائل وظيفية مثل الروضة والمدرسـة وجماعات الرفاق ووسائل الإعلام . وقد استخدم مفهوم البدائل الوظيفية أو البدائل البنائية على شكل واسع في الكتابات التي عالجت موضوعات مثل أشكال العائلات المعاصرة وغيرها. والسيارة أو غيرها من وسائل المواصلات تعد بدائل وظيفية للدواب في المرحلة السابقة ، بينما أصبحت الدواب تؤدي وظائف بديلة عن تلك الوظائف السابقة . تنظر الوظيفية إلى ظاهرة التغير الاجتماعي نظرات متباينة إلا أنها محدودة، وهي تقول بالتغير المحدود البطيء للنسق الاجتماعي. وقد انشغلت في " تحديد الوظائف وتساندها على حساب دراسة تغير البناء، إلا أن هناك من أ الوظيفيين أمثال ميرتون الذي يحذر من الاهتمام الشديد بالجوانب ! الاستاتيكية للبناء الاجتماعي، مشيرأ إلى أهمية دراسة ال!محوقات الوظيفية التي تحد من تكيف النسق أوتوافقه 6 فالتفرقة العنصرية قد تكون معوقآ وظيفيأ في مجتمع يرفع شعار الحرية والمساواة. ويؤكد ميرتون أن مفهوم المعوقات الوظيفية بما يتضمنه من ضغط وتوترعلى المسش ى البنائي، يمثل أداة تحليلط هامة لفهم، ودراسة الديناميات والتغير، وإلى التأكيد على دراسة البدائل 3 ح 7 أ، !ول 3 س!أ (ول الوظيفية لأنها تلغي الحتمية الوظيفية التي ينطوي عليها بناء اجتماعي معين، ويتجه الاهتمام إلى مدى التنوع الممكن في الوسائل التي تستطيع تحقيق مطلب وظيفي، وكما يقول تيماشيف، فهو بذلك يذيب ذاتية ط هو موجود بالفعل، وما هو محتم أيضآ. ويذهب أغلب الوظيفيين إلى أن هناك عوامل متعددة، ترتبط فيما بينها ارتباطآ و!يفيآ تسهم في تشكيل المجتم!، وتغييره. وترى الوظيفية أن التغير الاجتماعي يطرأ على البناء الاجتماعي، ثم يتبعه تغير وظيفي من أجل تحقيز وجود النسق ذاته. إلا أن الوظيفية ترف أن التغيرفي الوظائف لا يتبعه تغيرفي البناء الاجتماعي. كما وأن آلية التغير تأتي من عوامل خارجية وغوامل داخلط، وا ا!ظيفيو! منقسمون حول هذه العوامل، في إطار الإشكالية التالية: هل يرجر! تغير النسق الا-حتماعي إلى عوامل داخلية أ أم إلى عوامل خارجية؟ أم لكليهما معآ،

 

النظريات التحديثية التغير الاجتماعي

تسمى النظريات التحديثية بالنظريات التطورية المحدثة ، لانها تحاول تجنب الانتقادات التي وجهت للنظريات التطورية الكلاسيكية السابقة ، وخاصة في المماثلة بين تطور المجتمع وتطور الكائن العضوي ، وفي نظرتها الخيالية المعتمدة على تحليل قضايا نظرية وأفكار مجردة في حين أن النظريات التحديثية تحاول إنزال تلك الأفكار المعلقة إلى الأرض . والنظريات المتعلقة تعتبر المتغير التقني عاملاً رئيسياً في عملية التحديث والتغير الاجتماعي عامة ، ولهذا تعتبر التطور التكنولوجي ونضجه قمة التقدم .

مفهوم التحديث / لمفهوم التحديث معان متباينة لدى المفكرين الاجتماعيين في العلوم الاجتماعية .

وقد اهتم علماء الاجتماع والانتروبولوجيا بالتحديث متخذين من عملية التمايز نقطة أرتكاز في دراسة المؤثرات التي تميز المجتمعات الحديثة عن غيرها من المجتمعات الأخرى .

وقد أرتبط مفهوم التحديث بالتنمية الاقتصادية ، لأن القائلين به يؤكدون على أهمية الجانب الإقتصادي في التغيير الاجتماعي .

وجاءت تعريفات عديدة منها : أنه يعني الأخذ بالأسباب المؤدية إلى تغير المجتمع إلى حالة أفضل مما كان عليها عن طريق الوسائل التكنولوجيه الحديثة .

هناك علاقة تاريخية بين مفهوم التحديث ، ومفهوم التنشئة بالغرب أي التغريب .

تتصف المجتمعات الحديثة في كونها تمتاز بسرعة التغير وبسهولة تقبل الأفكار الجديدة والقيام بتطبيقها في المجالات المختلفة .

خصائص التحديث : يتصف التحديث بعدة سمات ذات دلالات خاصة وهي : 1 - الحركية 2 - التمايز  3 - العقلانية         4 - التصنيع وكل مصطلح من هذه المصطلحات يشير إلى مضامين خاصة نبينها على النحو التالي : 1 - الحركية : نعني بمصطلح الحركية سهولة تنقل الأشخاص والمعلومات والأحوال في المجتمع الواحد أي سهولة التنقل مع السرعة في التغير دون حواجز تذكر . 2 - التمايز : وهي خاصية في توصيف التحديث ، والتمايز يعني التباين الاختلاف في الوظائف نتيجة لتقسيم العمل والتخصص الدقيق ، وقد بين دوركايم ذلك في كتابه تقسيم العمل الاجتماعي ، كما أن ماكس فيبر أكد على المؤهلات في تقسيم العمل . ففي المجتمعات الحديثة يرتبط التمايز بالاستحقاق والأهلية ، ولا يرتبط بالاصول والأنساب العائلية وما إلى ذلك . - لهذا يرتبط التحديث بوضوح التمايز في تأدية الأعمال في المجتمعات الحديثة . ولا يعني ذلك أن المجتمعات التقليدية ليس لديها تمايز إطلاقاً ، إلا أن التمايز فيها يخضع لقواعد مرتبطة بالانتماءات العائلية ، والطائفية والعرقية . أي أن التمايز يعني تفكك الوحدات القديمة ، وتفتيت وظائفها ثم إعادة تشكيلها من جديد عن طريق خلق وحدات ، وارتباطات بينها لعبور هوة التفكك ، فالمجتمعات الحديثة تسعى إلى العمل على تماسك أنظمتها المتعددة .

 

3 - العقلانية : لمفهوم العقلانية عدة معان في العلوم الاجتماعية ، بالإضافة إلى تعدد معانيه لدى المختصين في العلم الاجتماعي الواحد . فالعقلانية تعني في المجال الاقتصادي تكيف الوسائل مع الغايات . وهي تعني في مجال الفلسفة والمنطق : القدرة على استخلاص النتائج من المقدمات المنطقية والرجوع إلى العقل كمصدر أساسي للمعرفة .

وتتعدى العقلانية إلى تطابق مع المعرفة العلمية بالنسبة لمعيار التحديث ، فهي التطبيق الأمثل للمعرفة العلمية عن طريق تحكيم العقل في التطبيق والابتعاد عن الأوهام والخرافات ، وغير ذلك .

4 - التصنيع : يعتبر التصنيع منهجاً وعملية سياسية تتبنى الصناعة كوسيلة للتنمية ، ويتضمن ذلك التحول من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي . فالتصنيع قاعدة الاقلاع الاقتصادي ، حيث يدي إلى الانتاج المتزايد مما يجعله يزيد على الاستهلاك ، مؤدياً إلى تغيرات اجتماعية - اقتصادية مختلفة ، وخاصة في المؤسسات الصناعية .

خلاصة القول ، إن سمات التحديث تظهر في الحركة والتمايز والعقلانية والتصنيع وهي سمات المجتمعات الحديثة التي تتميز عن غيرها من المجتمعات التقليدية .

الأسس العامة للنظريات التحديثية : ترتكز النظريات التحديثية على بعض المفاهيم القديمة التي جاءت في النظريات التطورية الكلاسيكية ، مثل مفهوم التطور عند سبنسر ، في الانتقال من التجانس إلى اللاتجانس وكذلك مفهوم تقسيم العمل عند دوركايم .

وتشترك هذه النظريات في أن التغير يسير في خط مستقيم صاعد إلى أعلى نحو التقدم ولا شك أن الأساس العام للنظريات التحديثية هو تبني الاتجاه الوظيفي ، إلا أنها تتميز عنه في كونها لا تهدف إلى خلق توازن وظيفي للبناء الاجتماعي بقدر ما تهدف إلى الوصول إلى نموذج مثالي وهو نموذج المجتمع الغربي الصناعي الذي تنتهي إلى عملية التحديث في زعم أنصار هذا الاتجاه .

وتهتم النظريات التحديثية اهتماماً خاصاً بغائية التغيير الاجتماعي ، متخذة من المجتمعات المتقدمة في مظهرها التكنو اقتصادي نموذجاً ومطلباً تسعى إليه المجتمعات النامية في تقدمها . فتكون النقطة المحورية للمجتمعات النامية في تغيرها هي الوصول إلى مستوى المجتمعات المتقدمة الغربية ، وخاصة في بنائها الاقتصادي. وتنظر النظريات التحديثية من جوانب عدة إلى عملية التغير الاجتماعي . ونرى أن التحديث بالمفهوم العام والشامل : تطبيق الوسائل والطرق المؤدية إلى التجديد في الأنساق الاجتماعية كافة من أجل تقدم المجتمع ، وزيادة رفاهيته وإزالة العوائق التي تحول دون تقدمه سواء أكانت هذه العوائق اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية . وتنتهي النظريات التحديثية إلى نتيجة مشتركة وهي أن الدول النامية ستصل في نهاية المطاف إلى المرحلة التي وصلتها الدول المتقدمة ، تلك المرحلة التي تتصف بتناغم أنماط الفعل التي تبدو في التضييق الشمولي لمبدأ الربحية والاستغلال الأمثل لوسائل الإنتاج المتحررة من العراقيل ، الحواجز التقليدية المعوقة للتغيير . وهي تنظر إلى العمل المنتج بأنه العمل الذي يحقق الزيادة في الربحية والتركيز على الصناعة المؤدية إلى التحضر وتقسيم العمل والتخصص . وتؤكد النظريات التحديثية أن عملية التحديث تتم وفق الأيدلوجية الرأسمالية مستبعدة ملكية الدولة لوسائل الإنتاج التي تسميها الرأسمالية الدولة ، معتبرة النماذج الاشتراكية في التنمية بعيدة عن دائرة العقلنة الاقتصادية لأنها تتجاهل الشروط اللازمة كربحية العمل ، والحد من الملكية الخاصة وغير ذلك من المقولات الأخرى . ومن أبرز الممثلين للنظريات التحديثية : سملر ، وليفي ، ومور ، ورستو باريتو Pareto اختيار الفرد للفعل الذي يفضله . فالعقلانية في هذه الحالة تعني الوسائل لا الغايات . وهي تعني في مجال الفلسفة والمنطق : القدرة على استخلاص النتائج من المقدمات المنطقية ، والرجوع إلى العقل كمصدر أساسي للمعرفة ، وقد شاع استعمال المفهوم في علم الاجتماع على يد العالم " ماكس فيبر" في نظريته حول الفعل . فالفعل العقلي هو الفعل الذي تختار فيه الوسائل اختياراً صحيحاً ومتفقاً مع مستويات القيمة الواعية . أي الرجوع إلى حكم المجتمع في النهاية . وتتعدى العقلانية إلى التطابق مع المعرفة العلمية بالتنبيه لمعيار التحديث فهي التطبيق الأمثل للمعرفة العلمية عن طريق تحكيم العقل في التطبيق الاجتماعي ، وإلى التنمية عموماً ومن حيث الوسائل الموصلة للأهداف المقررة إلا أنها تشترك في أن عملية التحديث لا تأتي إلا من خلال تغريب المؤسسات الاجتماعية في المجتمعات النامية . لاشك أن هناك بعض الاختلافات المظهرية للتحديث لدى المنظرين : أمثال سملسر وروستو ومور وغيرهم وهم يرون في التحديث عملية نقل عفوي للسياسات التنموية الأوروبية يشتمل على البناءات الثقافية عامة ونشر الحركية لتكنو اقتصادي من أجل تحقيق عملية التحديث .

ولا شك أن الاقتصاديين الغربيين الذي وضعوا مقولات حول تكوين الرأسمال ، وآليات السوق ، والعمل ، وأدركوا مدى تعقد المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعاتهم ومدى الصعوبات التي اعترضتهم حتى أصبحت متناغمة مع أوضاعهم التنموية .

نظرية سملسر :1- التمايز البنائي: ويتضمن قيام وحدات اجتماعية متخصصة ومستقلة في العائلة والاقتصاد والدين والتكوين الطبقي . فالتمايز البنائي من الدور المتعدد الوظائف إلى الأبنية المتعددة الأكثر تخصصاً. 2- التكامل البنائي: أي تكامل النشاطات المتمايزة التي جاءت نتيجة لتقسيم العمل والتخصص الدقيق والتكامل يأتي بعد التمايز وينطبق ذلك على الدولة. 3- الاضطرابات الاجتماعية: وتحدث حين ينقطع التمايز والتكامل مثال ذلك: هستيريا الجماهير وانتشار العنف والحركات الدينية. ويؤكد (سملسر) على أن هناك عوامل حاسمة في تشكيل الاضطرابات الاجتماعية وهي: •مدى كثافة التفكك الاجتماعي الناتج عن التغيرات البنائية ، فكلما كانت التغيرات أسرع كلما تسارعت المشاكل الاجتماعية . •يعتقد أن علمانية الاحتجاج تزداد بزيادة التحديث والتمايز. •إن وصول المجموعات المضطربة إلى أجهزة الحكم يهدئ من الغليان ويزداد العنف.

 

نظرية والت روستو تتلخص نظرية التحديث عند والت رو ستر في عملية النمو الاقتصادي وهي مبنية على فكرة المراحل التاريخية المتعاقبة .. ويقسم رو ستر مراحل النمو إلى خمسة مراحل متتابعة : 1.مرحلة المجتمع التقليدي : وتتصف بانخفاض إنتاجية الفرد بسبب استعمال وسائل بدائية في الانتاج وتتميز أيضا بسيادة النظام الطبقي ألا قطاعي ويرى أن المجتمع لن يتجاوز هذه المرحلة مالم تحدث تغيرات جذرية في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. 2.مرحلة التهيؤ للانطلاق :ونبدأ في هذه المرحلة تبلور الضروف الملائمة للانطلاق داخل وسائل ألا نتاج التقليدية كمقدمة لمرحلة جديدة وتتسم هذه المرحلة بتحسين الاستثمار وتبدأ المؤسسات المالية بالظهور وتظهر بعض الصناعات التحويلية. 3.مرحلة الانطلاق :تهر في هذه المرحلة سمات المجتمع الحديث في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويحدد روستو ثلاثة شروط للتحول إلي مرحلة الانطلاق وهي : 1-زيادة نسبه الاستثمارات 2-خلق قطاع وائد أو أكثر من قطاعات الصناعات التحويلية 3-تكوين جهاز سياسي واجتماعي ومؤسسي قادر على استغلال اتجاهات التوسع للقطاع الحديث 4.مرحلة الاتجاه نحو النضج: ينصف المجتمع في هذه المرحلة بارتفاع معدل الاستثمارات وتحدث تغيرات جوهرية في القطاعات الاقتصادية وتظهر قطاعات ذات أهمية في زيادة الإنتاج وتلف المدة الزمنية لهذه المرحلة من دوله إلى أخرى . 5.مرحلة الاستهلاك الوفير :أو الاستهلاك الجماهيري وتثمر هذه المرحلة بزيادة الإنتاج وتنوعه بشكل رئيسي وخاصة في إنتاج السلع الاستهلاكية المعمرة . ويرى روستوأن المجتمعات لابد أن تمر عبر هذه المراحل بالترتيب معالأخذ بالاعتبار اختلاف المدة الزمنية اللازمة لكل مرحلة ويربط روستو بين البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع وأن انتقال المجتمع نحو التحديث لايتم إلا بتغير البناءين معا .

نظرية ماريون ليفي

تأتي نظرية ماريون ليفي ضمن النظريات التحديثية التي عرضها في مؤلفة "التحديث وبناء المجتمعات "ويشير ماريون إلي مظاهر التحديث المتمثلة في أحياء وتنشيط مصادر الثروة والقوة وتكثيف الجهود المتنوعة بكل متضافر بالاعتماد على الوسائل والأدوات الحديثة . فدرجة الحداثة تقاس بمدى استعمال الطاقة وبنتاجها فالحداثة تتناسب تناسبا طرد يا مع الاستعمال المتزايد للطاقة غير الحيوية وبموجب ذلك يقسم المجتمعات إلى قسمين : 1-مجتمعات أصلية :وهي التي كونت البناءات القائمة فيها بنفسها مثل بريطانيا والولايات المتحدة فهي أصيلة التحديث. 2-مجتمعات بدأت متأخرة:وهي التي دخلت مرحلة التحديث متأخرة مثل المجتمع الألماني والروسي والياباني والشرق الأوسط.

وسمات التحديث تنحصر في الآتي :-

= تخصص الوحدات = الاكتفاء الذاتي للوحدات الاجتماعية = انتشار الأخلاق العالمية بغض النظر عن الجنس والأصل والنسب = الجمع بين المركزية واللامركزية .وتزايد المركزية في المجتمعات الحديثة = انتشار روح المحبة والتعاون بين الأفراد = حركية السوق والمبادلات السلعية والخدمات ويؤكد ليفي أن التغير الاجتماعي يعتمد على تغير نظام العمل الذي يؤدي بدورة إلى تغير الأبنية التي تقرر بموجبها الأفعال الاجتماعية آلتي يعتمد عليها في تحديث المجتمع….

 

عوائق التغير الاجتماعي

العوائق الاجتماعية: يفترض أن هذه العوائق تكون موجودة في المجتمعات التقليدية وبدأت من منطلق مبدأ النظريات التحديثية وتتمثل هذه العوائق في الآتي :

أـ الثقافة التقليدية: وهي ثقافة قائمة على العادات والتقاليد وهي محافظة وكذلك هي فكرة تقوم على أن القديم هو الأفضل ومن الأمثلة فيها (دراسة قام بها محمد الرميح في الكويت ): وهي أن في بعض المجتمعات العربية ،هناك اختلاف في النضرة إلى القيم السائدة، فقد بين محمد الرميح أن اختلاف النظرة إلى القيم في الكويت بين المواطنين من شأنها أن تعيق عملية التغير والتنمية الاجتماعية عموماً.

 

ب ـ طبيعة البناء الاجتماعي : وهوالبناء الطبقي وإذا كان هناك نوع من التماسك يكون معيق للبناء الاجتماعي ؛والتغير الاجتماعي قائم على المواهب والمهارات المكتسبة.

 

ج ـ الميل للمحافظة على الامتيازات : في بداية الثورة الصناعية قاوم العمال الإصلاحات التي حاول الإصلاحيين إدخالها في الإنتاج ومن أمثلتها في العصر الحديث(مقاومة الكمبيوتر في المكاتب ) .

ثانياً ـ العوائق الاقتصادية إن نشاط حركة الاختراعات العلمية المستمرة من شأنه أن يؤدي إلى سرعة التغير . وهناك متغيرات عديدة تتعلق بالموارد الاقتصادية المتاحة ، وبالقدرة الشرائية للمواطنين وغير ذلك . وهي عوامل تلعب دوراً مؤثراً في عملية التغير الاجتماعي ، ومن أهم تلك العوامل :

1 ـ ركود حركة الاختراعات والاكتشافات العلمية : وهي نتيجة انعدام روح الابتكار والتجديد ، وتعود إلى عوامل فرعية كثيرة منها : انخفاض المستوى العلمي ، والمستوى الاجتماعي بوجه عام ، وعدم وجود الحاجة الملحة الدافعة إلى الاختراع ، فهناك مجتمعات في أمس الحاجة إلى اكتشافات ثرواتها من معادن وبترول ، وغير ذلك ، إلا أن قصور المستوى التكنولوجي يحول دون الانتفاع بهذه الثروات الطبيعية وغيرها ، ومن البديهي أن شروط الاختراع تتطلب وجود الشخص القادر ، والإمكانيات اللازمة والبيئة الاجتماعية الملائمة ، وقد بين نمكوف ’’Nimkoff ’’ أن الاختراعات تعتمد على : 1ـ القدرة الفعلية 2ـ الحاجة للاختراع 3ـ المعرفة القائمة ولذلك ، فإن إتاحة الفرصة أمام أصحاب المواهب ، ورعايتهم وتوجيههم يؤدي لتحقيق الاكتشافات والاختراعات العملية المتنوعة . 2 ـ التكلفة المالية : في كثير من الحالات ، يرغب الأفراد في امتلاك المخترعات التكنولوجية إلا إن ارتفاع تكلفتها المالية يحول دون تحقيق ذلك . أي أن توفر الرغبة لا يكفي ، ما لم تتوفر القدرة المالية التي تسمح بالاقتناء . 3ـ محدودية المصادر الاقتصادية : إن شح الموارد الاقتصادية لدى المجتمع من شأنه أن يعيق عملية التغير الاجتماعي ، وقد وصف ج . البرتيني الاقتصاد المتخلف بثلاث خصائص : 1ـ إنه اقتصاد تقليدي : ويسود الزراعة فيه نمط بدائية الإنتاج . 2ـ يتصف الاقتصاد المدني فيه بضعف الإنتاج . 3ـ يتميز باقتصاد الشركات المتعددة الجنسيات التي تقوم على خدمة مصالحها الخاصة في الدرجة الأولى ، وعموماً يؤدي نقص الموارد الاقتصادية إلى محدودية عملية التغير وإعاقتها . ثالثاً ـ العوائق الأيكولوجية إن تأثير البيئة الطبيعية على المجتمعات واضح سواء أكان إيجاباً أم سلباً . فالبيئة الطبيعية من مناخ وسهول وجبال وأنهار .. تؤثر في تكوين حضارة المجتمعات ، فقد قامت الحضارة القديمة مثل : حضارة البابليين والآشوريين والفراعنة وغيرها ، حول المناطق الغنية وخاصة حول ضفاف الأنهار ، وبالعكس فإن شح الموارد الطبيعية يعيق عملية التغير ، وبناء حضارة كبيرة ، فالعزلة الطبيعية التي تعيشها المجتمعات نتيجة إحاطتها بالصحراء أو بمنطقة جبلية وعرة المسالك ، ومن شأنه أن يعيق اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى ، أي أن الموقع الجغرافي في هذه الحالة يفرض على المجتمع عزلة طبيعية ، " أيكولوجية " تعيق التغير الاجتماعي فيه . مقرر التغير الاجتماعي العوائق الأيكولوجية إن البيئة الطبيعية تؤثر في تكوين حضارة المجتمعات إما سلبياً أو إيجابيا . فكان لسير الحياة وغناها الأثر الكبير في إقامة الحضارة في هذه المجتمعات وعلى العكس فإن شح الموارد الطبيعية والعزلة الطبيعية تعيق من اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات وبالتالي تعيق عملية التغير وبناء الحضارة. والموقع الجغرافي يفرض على المجتمع عزلة طبيعية (أيكولوجية) ، تعيق التغير الاجتماعي فيه إلا أن التقدم التكنولوجي وما يسمى بثورة المواصلات والاتصالات تخفف من هذه العزلة . والعوائق الاقتصادية مع غيرها من العوائق تؤدي إلى تكوين الانغلاق الطبقي وركود حركة الاختراعات والتجديد . كما أن سهولة اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى يؤدي إلى الانتشار الثقافي والذي بدوره يساهم إلى حد كبير في التغير الاجتماعي .

 

رابعاً ـ العوائق السياسية تعيش المجتمعات أوضاعاً سياسية متباينة ، وتؤثر هذه الأوضاع في عملية التغير الاجتماعي إيجاباً أو سلباً ، ويمكن تقسيم العوائق السياسية إلى قسمين : 1ـ عوائق سياسية داخلية . 2ـ عوائق سياسية خارجية . وسنحاول تلمس كل واحد من هذه العوائق على حده . 1ـ العوائق السياسية الداخلية : 1ـ ضعف الأيدلوجية التنموية : 2ـ تعدد القوميات ، والأقليات داخل المجتمع : 3ـ عدم الاستقرار السياسي : 2ـ العوائق السياسية الخارجية : زهي في الغالب مفروضة على المجتمع من الخارج ، ومن أهما : 1ـ السياسة الامبريالية : من المعروف أن الأمبريالية تفرض هيمنتها على المستعمرات ، وتحارب كل تغير إيجابي قد يحدث في البلدان المستعمرة . 2ـ الحروب الخارجية : لا شك أن الحروب الخارجية تستنزف موارد مالية هائلة يكون المجتمع بحاجة إليها من أجل إحداث التنمية . كما أنها قد تؤدي إلى تدمير الثروة المادية والبشرية . الخلاصة العامة تبين مما سبق أن العوائق كثيرة ، ولكنها مترابطة ، بحيث يصعب توصيفها بشكل نهائي أساسي وأيها ثانوي ، فإشكالية الفصل بينها تبدو صعبة ، إلا إنها تؤدي في النهاية إلى إعاقة التغير الاجتماعي وتجذير التخلف . وليس هناك خروج من دائرة التخلف بمعالجة تلك العوائق ، ولاشك أن في معالجة تلك العوائق وإزالتها تحقيقاً للتغير الاجتماعي نحو الأفضل ، وذلك مرهون ومشروط بالوعي الاجتماعي والقدرة على التغيير .

 

 

مفهوم التصنيع مراحل تطور الصناعة يرتبط مفهوم التصنيع بالصناعة فهو يعني سياسة توظيف الصناعة من أجل تنمية المجتمع في إطار مخطط التنمية العامة . ويعتبر التصنيع من الناحية السوسيولوجيه ظاهره اجتماعيه تستوعب نشاط الأفراد المرتبط بالعمل الصناعي تلك الظواهر التي جاءت نتيجة لإدخال الصناعة في الحقل الاقتصادي . وكذلك أوجد التصنيع متغيرات عديدة في المجتمع تبدو في التغيرات التي حدثت في ميدان الأسرة فيما يتعلق بالبناء والوظيفة وفي الحراك الاجتماعي والجغرافي . وقد تغيرت الصناعات وفقاً لتطور المجتمعات الإنسانية وهي مختلفة في مراحلها عبر العصور ناهيك عن اختلافها من مجتمع إلى آخر . (( مراحل تطور الصناعة )) إن الثقافة تتطور بتطور الوسائل المادية المستخدمة أي أن تاريخ المجتمعات يرتبط بتطور الصناعة ، وقد قسم " ماكس فيبر " التطور الصناعي إلى أربع مراحل هي :النظام العائلي .نظام الصناعة اليدوية أو الطوائف الحرفية .نظام الاستخدام .نظام الصناعة المركزة . يشير " براون " أنه في المرحلة الأولى كان الاعتماد على الماء والخشب ثم الاعتماد على الفحم والحديد في المرحلة الثانية ، والاعتماد على الكهرباء والمعادن في المرحلة الثالثة . لقد كانت الصناعة في العصور الوسطى ذات تقنية بسيطة وذات إنتاج محدود وفق الحاجة وتتسم بالروح الجماعية بين العمال . المرحلة الثانية : مرحلة الثورة الصناعية فقد كانت تتصف بتقدم تكنولوجي كبير انعكس آثارها على المجتمع فقد ارتفع مستوى معيشة السكان وزادت من الحراك الاجتماعي والحراك الجغرافي والهجرة وتميزت بسيادة الروح الفردية . المرحلة الثانية : ظهرت التكنولوجيا بشكل متقدم خاصة في استخدام الذره وهي تتميز بحدثين هامين هما : 1-الإنتاج الوفير – الجماهيري : عمت قاعدة الإنتاج بالجملة معظم أقطار العالم وتقلص دور العامل في العملية الإنتاجية فأخذت الآلات تحل مكان العمال وتعدى الأمر من المهارات اليدوية إلى المهارات الفنية والنظرية . 2-ظهور الشركات المتعددة الجنسيات : لقد أوجدت هذه الشركات مشكلات عديدة في مجال العمل الصناعي من أبرزها المسألة الإدارية والقيادة العامة فأوجدت فئة تعرف بفئة المديرين الموظفين غير المالكين .

وقد أحدثت الصناعة تغيرات اجتماعية مهمة في المجتمع العمالي تبدو في عدة مظاهر حسب رأي رالف دارندورف وهي : تحويل مجتمعات الطوائف الحرفية أو الطبقات المغلقة إلى مجتمعات طبقية مفتوحة . تحطيم النظم التقليدية في تدرج المكانة والمساواة بين جميع العمال المأجورين . تكوين حالة من عدم التكييف الخطير ، والاغتراب لدى العمال الصناعيين . ظهور أزمات اجتماعية متزايدة وخاصة بين العمال الصناعيين . زيادة حدة الصراع الطبقي بين أصحاب المؤسسات والعمال الصناعيين.

المصدر : موقع المعرفة