تأثير القنوات الفضائية في تكوين شخصية الطفل - الجزء الثاني
- المجموعة: بحوث علمية
- تاريخ النشر
- د.مولود
- الزيارات: 10614
ثانياً ـ القنوات الفضائية وبرامج الأطفال :
يتميز العصر الحديث بقفزات تكنولوجية للاتصال بطريقة مذهلة فاقت توقعات الخبراء وبخاصة فيما يتعلق بالبث المرئي والمعلومات ، عندما نجح الإنسان في تحقيق التوافق بين الكمبيوتر والوسائل التكنولوجية في مجال الاتصال والتكامل بينها بصورة أدّت إلى حدوث ثورة في مجال المعلومات ، فالانفتاح العالمي في الاتصالات بين المجتمعات على الكرة الأرضية وما ينتج عن هذا من نقل للعلوم والثقافات والأفكار تحتم على التربية المنهجية أن تغيّر محتواها وأساليبها لتعمل على تخفيف حدة هذا النقل وتهيئة الناشئة نفسياً وإدراكياً لفهم استخدام الصالح منها . وقد اتسعت البرامج بمختلف اختصاصاتها واهتماماتها ويبرز بينها تلك البرامج التي تختص بالأطفال على مختلف أعمارهم ، إذ أصبح تدفّق المعلومات وأسبابها والحصول عليها من قبل الناس جميعاً ممكن ،
وصار للفرد صغيراً أو كبيراً الحق في الحصول على هذه المعلومات والحرية على امتلاكها ومقارنتها وتحليلها وتشكيل موقف في ضوء ذلك . كما سلك الوطن العربي مسلك الشعوب الأخرى في العالم ببثه البرامج الخاصة بالأطفال التي لعبت وما زالت دوراً حيوياً في تشكيل شخصية الطفل ، إذ أصبح الجهاز المرئي يوصف من قبل الكثير بأنه الوالد الثالث لما له من قوة تأثير في التنشئة الاجتماعية فاقت في بعض برامجها تشكيل شخصية الطفل وفق ما تمليه ثقافة المجتمع ، كما أصبح للقنوات الفضائية دوراً مميزاً وبخاصة البرامج التربوية ، إذ زادت من مهارات الأطفال وعملت على توعيتهم وإرشادهم بما يتوافق مع مرحلة التغيّر والتطور التي يمر بها المجتمع. وإذا كان البث المرئي الفضائي يلعب دوراً إيجابياً في تشكيل شخصية الطفل من خلال البرامج التربوية والإرشادية ، فإنه أيضاً في الوقت نفسه يعمل على تخريب شخصية الطفل من خلال البرامج التي لا تتفق مع ثقافة وتوجيهات الأُسر العربية مما زاد من خطورة هذه الفضائيات على النشء الجديد وجعلهم يمرون بمرحلة اغتراب خطيرة في عصر تتزاحم فيه هذه البرامج من مصادر مختلفة لها ثقافات مختلفة . من خلال هذا نستطيع القول أن البث المرئي الفضائي سيف ذو حدّين فهو إذا أستُخدم بشكل موضوعي ومنهجي منظم ، ومن خلال البرامج التربوية والإرشادية الموجهة عمل على تشكيل شخصية الطفل بصورة إيجابية ، أما إذا لم يكن هناك تنظيماً موجهاً للقنوات الفضائية وفي نفس الوقت إذا لم تستطع الأسرة اختيار البرامج الملائمة فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية سلبية تؤثر في تشكيل هذه الشخصية . وفي مجال القنوات الفضائية العربية أصبح للقمر عربسات وإذاعات الدول العربية المرئية حضورها في الأسرة العربية ولا سيما على الطفل العربي ، وأصبح من الممكن إيصال رسالة من كل قطر إلى المتلقي العربي في كل مكان ، وصار المتلقّون العرب يقبلون على المحطات العربية لا بسبب اللغة فحسب ، بل بسبب جاذبية النظام الثقافي والنظام القيمي المشترك حيث يجد المواطن نفسه في المادة المعروضة بشكل أو بآخر ويجد ما يلبي حاجته إلى الصورة العربية ، وهذه النقطة تُحسب لصالح القنوات الفضائية العربية . إن التنوّع في طبيعة القنوات الفضائية العربية وفي برامج الأطفال يبرّرها حتماً تنوع الجمهور المستهلك الذي نجد له تصنيفات متعددة ، لكن التصنيف الأهم هو الذي يعتمد على الرقعة الجغرافية وهو الذي يحدد طبيعة الاتصال وغاياته وهو جمهور عربي داخل وخارج المنطقة العربية ، وينبغي أن نبين أنه ليس لأيّة قناة عربية القدرة على أن تستهدف كل هذه الجماهير إلاً إذا استعملت أكثر من قمر صناعي في إرسالها . من خلال هذا العرض نتوصل إلى أهمية القنوات الفضائية في تشكيل شخصية الطفل وإبراز اهتماماته في عالم متغير أصبحت الثقافة فيه سريعة التغير والتنوع ، وبرزت اهتمامات خاصة بالأطفال تشكلت من خلال تأثير هذه البرامج الفضائية مما أعطى للطفل مساحة أكبر من الاهتمام ، وبالتالي أثر ذلك في سلوكه الاجتماعي داخل الأسرة وسلوكه مع أقرانه ، وبالإضافة إلى ظهور نمط جديد من الشخصية يختلف عن ذاك النمط التقليدي الذي نشئ في ظل ثقافة تقليدية ، لعبَ الوالدان وثقافة الأسرة فيه دوراً رئيسياً .
أهمية القنوات الفضائية في تشكيل شخصية الطفل:
نعيش اليوم في عالم تحاصرنا فيه وسائل الإعلام من كل جهة ، فتحاصرنا الكلمة المكتوبة في الصحيفة والكتاب والمجلة ؛ وتحاصرنا الكلمة المسموعة في الإذاعة وتحاصرنا الصورة و الكلمة في الإذاعة المرئية ، ولا شك أنه في ظل المجتمعات الإعلامية أصبحت شخصية الطفل إلى حد ما من صنع وسائل الإعلام بالإضافة إلى الأسرة والمدرسة . ولقد أوجدت طبيعة العصر وتطور الحياة الاهتمام بالطفولة وبرامجها و وسائل إعلامها التي أصبحت تلعب دوراً هاماً في تشكيل شخصيات الأطفال من خلال ما تنقله في مادتها وشكلها وأنشطتها من قيم ونماذج وتفاعلات وتوجهات صريحة أو ضمنية ، ونظراً لما تقوم به وسائل الإعلام من وظائف نفسية في حياة الطفل تجعلنا نشير إليها لدرجة تكاد تشكل معها عالمها الخاص . ولكل وسيلة من وسائل الإعلام مميزات وخصائص تميزها عن الوسيلة الأخرى وتختلف في التأثير الذي تحدثه في الأطفال ، فالملاحظ أن البرامج المسموعة والقصص والكتب قد تراجعت أمام الجهاز المرئي الذي أصبح يحظى باهتمام الأطفال بشكل كبير ، فالجهاز المرئي هو نافذة صغيرة يرى فيها الطفل وهو في بيته العالم الخارجي الكبير ، وعليه يرى الطفل مشاهد من بلاد بعيدة ونماذج من سلوك الكبار ، كما أن الجهاز المرئي يؤدي نشاطاً كبيراً في الإعلان عن مختلف احتياجات الطفل وهذا في حد ذاته ثقافة كبيرة . فيما يلي نوجز أهم الخصائص المميزة للأجهزة المرئية باعتبارها وسيلة لعرض برامج القنوات الفضائية :
- إن الجهاز المرئي يجمع بين الكلمة المسموعة والصورة المرئية مما يزيد من قوة تأثيره ومدى فائدته التثقيفية لاعتماده على وسيلتين من وسائل التطبيق يستخدمها في وقت واحد .
- إن الجهاز المرئي يتميز بقدرته على جذب المشاهد وخاصة صغار السن وتحقيق درجة عالية من المشاركة من خلال ما يقدمه من مواد تعليمية وترفيهية إضافة إلى الدور التربوي الذي يقوم به .
- يتعامل مع المشاهد مباشرة ، فالمرسل في هذه الوسيلة يخاطب المستقبل وجهاً لوجه .
- إمكانية نقل الأحداث الاجتماعية على الهواء ساعة وقوعها ونقل الكثير من الجوانب الثقافية والمعنوية والمادية للمشاهد ونقل خبرات الأشخاص ذوي المواهب والتخصصات النادرة ، وبإلقاء المحاضرات وعرض البرامج والندوات والأفلام العلمية عن عالم الحيوان أو حياة الشعوب و أساليب حياتها .
- الصورة المتحركة الناطقة التي يقدمها هذا الجهاز تجعل المشاهد يتابع الأحداث في مكانه دون أن يكلف نفسه عناء الخروج من منزله للبحث عنها .
- إن المادة المعروضة على الجهاز تعتبر أقرب بديل للخبرة الحقيقية .
- يتميز الجهاز المرئي بقدرته على تحويل المجردات إلى محسوسات ، ويُعد وسيلة جذّابة للكبار والصغار ، فهو يمتلك القدرة الفنية التي تمكنه من تحويل الخيال إلى صورة واقعية .
- يساهم بالاستغناء عن الطرق التقليدية في التعليم ، ويضيف المتعة في عملية التدريس ، مثل ما تقدّمه الفضائية الليبية من خلال برنامج منزلية التعليم .
فالإذاعة المرئية تمتاز بجاذبية سيكولوجية والقدرة على تخطي حواجز الزمان والمكان والشخصيات ، فلقد لعبت دوراً كبيراً في خدمة الشعوب وتطويرها ولا سيما في مجال التعليم و الترفيه ، كما تتبلور فوائده على المدى البعيد في حياة المجتمع ، فالغاية من استخدام الجهاز المرئي هي تهيئة الإنسان وتحضيره لفهم العالم من حوله ، إن إدراكنا لمفهوم عملية التعليم كما هو وارد في الركن الاجتماعي للنظرية العالمية الثالثة يجعلنا ندرك أهمية الثورة الثقافية في التخطيط ونقل المعرفة في مجال التعليم ، عندما يتحدث عن المجتمع الذي يفشل في القيام بواجباته حيال الأطفال الأقل معرفة في مجال التعليم ما يشجع على الجهل ، ولا يشجع على حرية التعليم في أن يتعلم الأطفال وفق اختياراتهم واحتياجاتهم وباستخدام الوسائل التي تحقق ذلك .