اجتماعي ـ موقع الدكتور مولود زايد الطبيب

الأربعاء, 04 24th

آخر تعديل في الموقع الإثنين, 18 كانون1 2023 2pm

المؤسسات الاجتماعية التي تؤثر في تنشئة ورعاية الطفل

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 Rating 1.00 (6 Votes)

إن أهم المؤسسات الاجتماعية التي لها بالغ التأثير في تنشئة ورعاية الطفل يمكن حصرها في ، الأسرة، والمدرسة، والمجتمع ممثلاً في ” جماعة الأصدقاء ، دور العبادة ، وسائل الإعلام “

أولا : الأسرة :

الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي تتلقى المخلوق البشري منذ أن يفتح عينية على النور ، وهي الوعاء الذي تتشكل داخله شخصية الطفل تشكلا فردياً واجتماعياً كما أنها المكان الأنسب الذي تطرح فيه أفكار الآباء والكبار ليطبقها الصغار وعلى مر الأيام لتنشئتهم في الحياة . والأسرة أول جماعة يعيش فيها الطفل ، ويشعر بالانتماء إليها ، ويتعلم كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته ، كما تعتبر الأسرة الوحدة الاجتماعية البنائية الأساسية في المجتمع ، وتنشأ منها مختلف التجمعات الاجتماعية ، وهي المسئولة الرئيسة لتطوير المجتمع وتوحيده ، وتنظيم سلوك الأفراد بما يتلاءم والأدوار الاجتماعية المحددة وفقاً للنمط الحضاري العام ، وتعتبر الأسرة كذلك الثمرة الطبيعية للزواج .

 

الأسرة والتنشئة الاجتماعية ” تأثير الأسرة على الفرد ” :

إن اندماج الطفل وتكيفه اجتماعيا ونفسياً مع معطيات الحياة الاجتماعية يتم في الغالب عن طريق الأسرة وتؤثر الأسرة في أطفالها تأثيراً كبيراً من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية وعلى رأي ” إدوين هولاندر ” فإن أنماط العلاقات الأسرية وخاصة علاقة الطفل بوالديه تؤثر تأثيراً واضحاً على المواقف والقيم التي كونها الأطفال في الأسرة ، فالوالدان هما أول وأدوم مصادر التنشئة الاجتماعية وهما أقرب الناس إلى عالم الطفل وأكثر ارتباطاً به . وقد أكد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم دور الأبوين في التأثير على أبنائهما بقوله ” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ” ، وأشار أحد المفكرين العرب المسلمين الأقدمين إلى أهمية دور الأبوين في التأثير على سلوك الطفل وقيمه ومعتقداته بقوله : ( الطفل أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل نقش ومائل لكل ما يمال به إليه فإن عوداه الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وأن عوداه الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي ). ومما يزيد من قوة تأثير الأسرة على الأطفال تعاملها مع أهم وأخطر مرحلة في حياة الإنسان وفيها تتحدد أهم ملامح شخصيته .

أهمية الأسرة في تنشئة الطفل والتأثير عليه :

تؤثر الأسرة على أطفالها في سلوكهم وعاداتهم وتوجهاتهم وعلاقاتهم وقيمهم وسواها ويتم ذلك من خلال فعاليات التنشئة والتطبيع الاجتماعي ، ويمكن تحديد أهم أوجه أهمية دور الأسرة في تنشئة الطفل والتأثير عليه في النقاط التالية :

  1. تتعامل الأسرة مع الطفل في بداية حياته حيث يكون عاجزاً بمفرده عن إشباع حاجاته والقيام بشؤونه الأمر الذي يعطي للأسرة مجالاً زمانياً ومكانياً وعلائقياً لإحداث التأثير المطلوب على الطفل .
  2. خطورة وأهمية مرحلة الطفولة في حياة الإنسان حيث يؤكد عديد من العلماء أن الدعائم الجوهرية لحياة الإنسان الراشد على ما يتلقاه من رعاية وإعداد وتدريب في طفولته ، لهذا كانت مرحلة الطفولة من أهم المراحل الحياتية وأكثرها أهمية وتأثيراً في بناء شخصية الإنسان إذ فيها تبدأ أغلب الاتجاهات الاجتماعية والتعليمية والنفسية والتفاعل معها ، وقد أكدت بعض الدراسات التربوية النفسية أن 50% من المكتسبات الذهبية المتوفرة للمراهق تحصل في سنوات الطفولة المبكرة وأن 30% تظهر في مرحلة الطفولة الوسطي وأن 20% المتبقية تكمل فيما بين سن الثامنة والسابعة عشر من عمر الطفل ويركز الكثير من العلماء في مجال علم النفس الاجتماعي على أهمية مرحلة الطفولة في حياة الإنسان وتكوين شخصيته وعلى سبيل المثال يشير جورج هربرت ميد إلى أن الطفل عند ولادته لا يتعدى كونه كائناً قابلاً لأن يكون شخصاً ما بمقدار ما يجده من رعاية وتنشئة وإعداد .

أما أصحاب مدرسة التحليل النفسي فيركزون على أهمية خبرات الطفولة في نمو الإنسان ويرى بعضهم بأن كل ما يقوم به الفرد في شبابه أو رجولته أو كهولته يمكن تفسيره بالرجوع إلى خبرات الطفولة . تعتبر مسؤولية تربية الطفل وحسن تنشئته من قبل أسرته من البرامج الوقائية ضد انحرافاته وضياعه مع ما تترتب على ذلك من تبعات على الأسرة والمجتمع والطفل نفسه فكلما نجحت الأسرة في تنشئة أطفالها والتأثير الايجابي على سلوكهم كان ذلك مؤشراً على تحصينهم ضد المظاهر السلوكية المنحرفة وكلما حدث العكس وفشلت الأسرة في هذه المهمة كان الطفل أكثر عرضة للانحراف والضياع . ونظراً لأهمية دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية تضمن الإعلان العالمي لحقوق الطفل في بنده الثالث قضية مهمة وهي قضية الانتماء إلي أسرة ومجتمع وجاء البند السادس من الإعلان نفسه أكثر صراحة في تأكيد أهمية دور الأسرة في التأثير الإيجابي على الطفل وحسن تنشئة ونص بالتحديد على أنه لكي تكون للطفل شخصية كاملة متناسقة يجب أن يخطي قدر الإمكان بالمحبة والتفاهم كما يجب أن ينمو تحت رعاية والديه ومسؤولياتهما وفي كل الأحوال في جو من الحنان يكفل له الأمن من الناحيتين المادية والمعنوية ويجب ألا يفصل الطفل عن والديه في مستهل حياته إلا في حالات استثنائية . وفي الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عام 1989 م نجد التأكيد اشد على أهمية دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية والتأثير الايجابي على سلوكيات الطفل ومعتقداته حيث نصت على ” أن الطفل كي تترعرع شخصيته ترعرعاً كاملاً ومتناسقاً ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية يسودها جو من السعادة والمحبة والتفاهم “ وأكد ميثاق حقوق الطفل العربي أهمية دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية عندما دعا في بنده السادس من المنطلقات الأساسية إلي أن ” الأسرة الطبيعية هي البيئة الأولى المفضلة لتنشئة الأطفال وتربيتهم ورعايتهم “

والخلاصة فإن للأسرة تأثيراً على الطفل وسلوكه ويمكن تحديد بعض أوجه هذا التأثير في الأتي : أولاً : التأثير الايجابي :

  1. تعويد الطفل وإكسابه العادات والسلوكيات الصالحة التي يقرها المجتمع .
  2. تعليمه لغة التخاطب .
  3. تنمية وترسيخ اعتقاده الديني .
  4. تزويده بالمهارات والخبرات التي يحتاجها في حياته وعلاقاته وفي تعليمه وتأهيله.
  5. تعريف الطفل لمكانته الاجتماعية ودوره الاجتماعي .
  6. مساعدة الطفل لشق طريقه في المجتمع و تذليل الصعاب أمامه .
  7. ضبط وتوجيه سلوك الطفل وتحصينه من مظاهر الانحرافات السلوكية .
  8. توفير الحماية والاستقرار النفسي والاجتماعي للطفل .
  9. تنمية نوع من الحس العام لدى الطفل بالانتماء للمجتمع والارتباط والاندماج فيه واستيعاب ثقافته .
  10. تعتبر الأسرة مهد الطفل ومظلته التي يجد فيها الإشباع والحماية في حالة التعرض للخطر أو المرض .

ثانياً : التأثير السلبي :

إذا كانت الأسرة هي مظلة الإنسان ومهده صالحة ومناسبة كان تأثيرها في الغالب إيجابيا أما إذا لم تكن كذلك وكانت مفككة أو منحرفة كان تأثيرها سلبياً ويتجلى ذلك في عدة مظاهر منها :

  1. تدفعه للانحراف والتشرد والضياع .
  2. لا تزوده بالمهارات والخبرات الحياتية المهمة .
  3. تسيء معاملته وتمارس العنف ضده .
  4. تنمي فيه شخصية غير سوية ومعتلة ومضطربة بحيث يفقد الإدراك الإيجابي للذات والمجتمع .
  5. تهمل الأشراف على تعليمه وتدريبه فتضيع عليه فرصة التعليم والتدريب ويعيش عاجزاً عن القيام بعمل يحقق له دخلاً يكفيه للحياة الكريمة .
  6. تفقده فرصة إدراك الأبعاد الإيجابية للثقافة السائدة والقيم الإيجابية بدورها الإيجابي تجاه أطفالها