النظام الاجتماعي
- المجموعة: أعمال قيمة كتبها آخرون
- تاريخ النشر
- د.مولود
- الزيارات: 9044
الأستاذ / صاحب الربيعي
إن الإنسان كائن اجتماعي يرتبط بأقرانه من البشر بصلات وروابط متعددة تحركه الرواسب الكامنة للانتماء إلى الجماعة لاكتساب الحماية والاعتراف الاجتماعي بالذات، ومع تعدد الجماعات تعددت الصلات والروابط بينها مما تطلب إيجاد سُبل ما لتنيظم العلاقة وإكسابها الشرعية للحفاظ على حقوقها وضمان عدم التعدي عليها من الجماعات الأقوى.
يهدف انخراط الجماعات المنفصلة في إطار المجتمع لتعزيز صلاتها وروابطها الإنسانية مع المجموعات المماثلة بما يقترب من التكافل الاجتماعي بالحماية والتبادل السلعي…لكن هذه الصلات والروابط الجديدة تطلبت إتفاقاً أو عهداً ما يحتكم إليه الجميع في فض نزاعاتهم اليومية فكان النظام الاجتماعي حلاً وقانوناً لتنظيم سلوكيات وممارسات الأفراد بما لايتعارض ومصالح أقرانهم في المجتمع.
يعرف ((هوبز)) النظام الاجتماعي:”بأنه مسعى لإضعاف القوة الفردية لصالح القوة الجمعية، أي قهر الفرد لسلوكه الطبيعي وإنصياعه للسلوك الجمعي”.
إن قهر السلوك والممارسة الذاتية والإنصياع للسلوك والممارسة الاجتماعية يعني فرض نهج عنفي محدد على كافة أفراد المجتمع لضمان إنصياعهم للنظام الاجتماعي، وبالرغم من نجاعة النهج العنفي لكنه لم يحدد حجمه المطلوب للحفاظ على النظام، فعند خروجه على حدوده الشرعية يصبح عنفاً مفرطاً يقوض النظام الاجتماعي.
مما توجب الأخذ بنهج موازي يحد من آليات العنف لفرض النظام الاجتماعي وذلك باعتماد النهج التربو ي للتحكم بالسلوكيات والممارسات الذاتية للأفراد، أي تفعيل أنظمة التحكم والسيطرة الذاتية لقسر الذات على الاحتكام إلى إرادة المجتمع دون الحاجة لردعها بالعنف.
بمعنى آخر أن يرفض الفرد بشكل ذاتي كافة مظاهر الاستغلال والاضطهاد للآخرين وبالمقابل يحصل على الحماية اللازمة من النظام الاجتماعي ضد استغلال واضطهاد الآخرين له، أي تبادل المصالح الذاتية أو تبادل الخدمات لتحقيق التوازن داخل النظام الاجتماعي.
يعرف ((روسو)) النظام الاجتماعي:”بأنه سعي الفرد لتقليل مظاهر الاستغلال والاضطهاد الذاتية عبر مشاركته في صياغة الإدارة العامة”.
إن حجم ونوع الرواسب الكامنة في ذات الإنسان تفعل فعلها في السلوك والممارسة اليومية للإفراد في المجتمع، وبذات الوقت فإنها تختلف من مجتمع لآخر تبعاً لمستوى الوعي وفعالية نظام التحكم والسيطرة الذاتية المستندة للوعي والمعرفة معا، كذلك الأمر بالنسبة للعادات والتقاليد والمعتقدات يؤديان لحراك متباين في المجتمع مما يؤشر لوجود أكثر من نظام اجتماعي يحكم المجتمعات المتباينة، فقد تصلح إحدى الأنظمة الاجتماعية لمجتمع ما لكنها تختلف حتماً في آليات التطبيق في مجتمع آخر لإختلاف مقومات نشوء المجتمعات ذاتها.
يعتقد ((ماكس فيبر))”أن النظام الاجتماعي ليس نسقاً اجتماعياً شاملاً ومتكاملاً نتيجة تباين الأخلاق والقيم والتقاليد التي تحكم فعل وسلوك جماعة ما في ساحة التفاعل الاجتماعي عن أخلاق وقيم وتقاليد التي تحكم فعل وسلوك جماعة أخرى لإختلاف مستويات الوعي”.
إن النهج العنفي والتربوي لفرض أو تعزيز النظام الاجتماعي شابه الخلل مع الزمن لخروج العنف على إطاره الشرعي واعتماد نهج تربوي يعزز مصالح السلطة ضد المجتمع مما تطلب الأمر إيجاد إطار قانوني يحجم استخدام العنف لضمان شرعيته وتأطير النهج التربوي بما يخدم مصالح المجتمع.
أي أن آليات النظام الاجتماعي لم تعد سائبة كما كانت سابقاً وإنما أصبحت مؤطرة بقانون لضمان حقوق وواجبات الأفراد في المجتمع، وبذلك حددت واجبات المواطن تجاه الدولة وحقوقه من الدولة.
فالنظام لم يعد آلية سلطة يحتكم إليها أفراد المجتمع لفض نزعاتهم وتحجيم سلوكهم وحسب وإنما آلية اجتماعية لمحاسبة السلطة على إجراءاتها المتعارضة مع القانون، حيث أن التطور في النظام الاجتماعي أخذ بعداً آخراً في إطار القانون تمثل في شكل تعاقدي بين الدولة (ممثلة بالسلطة) والمجتمع من جهة وبين أفراد المجتمع من جهة أخرى لتعزيز النظام الاجتماعي.
يصف ((سبنر)) النظام الاجتماعي:”بأنه عبارة عن نظام من التعاقدات الخاصة بين أفراد المجتمع”.
إن الإطار التعاقدي الذي طرأ على النظام الاجتماعي ليس إلا إطار قانوني يضمن حقوق وواجبات الفرد تجاه الدولة والمجتمع. وبالتالي فإن الإخلال بالتعاقد يجيز للسلطة عبر آلية القانون فرض العقوبة اللازمة على الأفراد لإخضاعهم إلى النظام، كما يمنح المجتمع الحق في فسخ العقد مع الدولة (الممثلة بالسلطة) عند الإخلال بواجباتها في حفظ النظام وضمان حقوق المجتمع.